.
.
.
.
و الظرف ُ في الناس تمويه و أبغضه
ظرفُ الألى في فنون الاقتدا مهروا
من مُعجب بأمور ٍ و هو يجهلها
و ليس فيها له نفعٌ و لا ضررُ
و من عتى يرى في نفسه ملِكا ً
في صوتها نغَمٌ في لفظها سوَرُ
و من شموخ ٍ غدتْ مرآته فلَكا ً
و ظلهّ قمَرا ً يزهو و يزهر
ليس في الغاب ظريفٌ .. ظرفه ضعفُ الضئيلْ
فالصبا و هي عليلٌ .. ما بها سقمُ العليلْ
إنّ بالأنهار طعْما ً .. مثل طعم السلسبيل
و بها هوْلٌ و عزم ٌ .. يجرف الصلدَ الثقيلْ
أعطِني النايَ و غنّ .. فالغنا ظرْفُ الظرّيف
و أنين الناي أبقى .. من رقيق ٍ و كثيفْ
***
و الحُبُ في الناس أشكالٌ و أكثرها
كالعشبِ في الحقل لا زهرٌ فيها و لا ثمرُ
و أكثرُ الحب مثل الراحِ أيسره
يُرضي و أكثر للمدمن الخطرُ
و الحبُ إن قادتِ الأجسامُ موكبهُ
إلى فراش من الأغراض ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الأسر ِ مُعتقلُ
يأبى الحياة و أعوانٌ له غدروا
ليس في الغاب ِ خليعٌ .. يدّعينـُبل الغرامْ
فإذا الثيرانُ خارَت .. لمْ تقلْ هذا الهيامْ
إن حبّ النّاس داءٌ .. بين لحم ٍ و عظامْ
فإذا ولّى شبابٌ .. يختفي ذاك السّقامْ
أعطني الناي و غنّ .. فالغنا حبٌّ صحيحْ
و أنين الناي أبقى .. من جميل ٍ مليحْ
***
فإذا لقيت مـُحبا ً هائما ً كلِفا ً
في جوعه شبعٌ في ورده الصَّدرُ
و الناس قالوا هو المجنونُ ماذا عسى
يبغي من الحب أو يرجو فيصطبرُ ؟
أفي هوى تلكَ يستدمي محاجرهُ
و ليس في تلك ما يحلو و يُعتبرُ
فقل هم البـُهمُ ماتوا قبلما وُلدوا
أنّى دروا كنهَ من يحيي و ما اختبروا
ليس في الغابات ِ عدلٌ .. لا و لا فيها الرّقيبُ
فإذا الغزلانْجٌنّتْ .. إذْ ترى وجه المغيبُ
لا يقول النسرُ واها ً .. إن ذا شيءٌ عجيبْ
إنما العاقلُ يدّعى .. عندنا الأمر َ الغريبْ
أعطني الناي و غنّ .. فالغِنا خيرُ الجنونْ
و أنينْ الناي أبقى .. من خصيف ٍ و رصينْ
***
و قلْ نَسينا فخارَ الفاتحين و ما
ننسى المجانينَ حتى يغمرض الغمرُ
قد كانَ في قلب ذي القرنين ِ مجزرةٌ
و في حشاشة ِ قيْس ٍهيكلٌ وقرُ
ففي انتصارات ِ هذا غلبةٌ خفيّتْ
و في انكسارات هذا الفوزُ و الظفرُ
و الحبّ في الروح ِ لا في الجسم نعرفهُ
كالخمر للوّحي لا للسكر ينعصرُ
ليس في الغابات ِ ذِكرٌ .. غير ذِكر العاشقينْ
فالألى سادوا و مادوا .. و طغوا بالعالمين
أصبحوا مثل حروف ٍ .. في أسامي المجرمينْ
فالهوى الفصّاحُ يٌدعى .. عندنا الفَتحُ المبينْ
أعطني الناي و غنّ .. و انسَ ظلم الأقوياءْ
إنما الزنبق كأسٌ .. للندى لا للدماءْ
***
و ما السعادةُ في الدنيا سوى شبحٌ
يُرجى فإن صار جسما ً ملّه البشرُ
كالنهر ِ يركضُ نحو السهل مكتدحا ً
حتى إذا جاءه يٌبطي و يعتكرُ
لم يسعد الناس إلا في تشوّقهم
إلى المنيع فإنْ صاروا به فتروا
فإن لقيت سعيدا ً و هو منصرفٌ
عن المنيع ِ فقل في خلقه العبر
ليسَ في الغاب رجاءٌ .. لا و لا فيه المللْ
كيف يرجو الغابُ جزءا ً .. و على الكلّ حصلْ ؟
و بما السعيُ بغاب ٍ .. أملا ً و هو الأملْ ؟
إنما العيشُ رجاءً .. إحدى هاتيك العِللْ
أعطني الناي و غنّ .. فالغِنا نارٌ و نورْ
و أنينْ الناي شوقٌ .. لا يدانيه ِ الفـُتورْ
***
و غاية الروح ِ طيَّ الروّح قد خفيّتْ
فلا المظاهرُ تبديها و لا الصوّرُ
فذا يقولُ هيَ الأرواحُ إن بلّغتْ
حدَّ الكمال ِ تلاشنْ و انقضى الخبرُ
كأنما هي الأجسامُ إن هجعتْ
لم يبقَ في الروّح ِ تهويمٌ و لا سَمَرُ
كأنمّا هي ظلٌّ في الغدير ِ إذا
تعكّر الماءُ ولّتْ و امّحَى الأثرُ
ظلَّ الجميع فلا الذرّاتُ في جسد ٍ
تثوى و لا هي في الأرْواح تحتضرُ
فما طوتْ شمالٌ أذيالَ عاقلة ِ
إلاّ و مرّ بها الشرقيْ فتنتشرُ
لم أجدْ في الغاب ِ فرقا ً .. بين نفس ٍ و جسدْ
فالهوا ماءٌ تهادى .. و النّدى ماءٌ ركدْ
و الشذا زهرٌ تمادى .. و الثرى زهرٌ جمَدْ
و ظلالُ الحور حورٌ .. ظنّ ليلا ً فرَقدْ
أعطني الناي و غنّ .. فالغِنا جسمٌ و روحْ
و أنينْ الناي أبقى .. من غبوق ٍ و صبوحْ
***
و الجسمُ للروح ِ رحمٌ تستكنُّ به
حتى البلوغ فتستعلي و ينغمرُ
فهي الجنين و ما يومُ الحمامِ سوَى
عهد ِ المخاض فلا سقطٌ و لا عسَرُ
لكنّ في الناس ِ أشباحاً يلازمها
عقمُ القسيّ التي شدّها وترُ
فهي الدخيلة و الأرواح ما ولدتْ
منَ القفيل ِ و لم يحبلْ بها المدَرُ
و كم على الأرض من نبت ٍ بلا أرج ٍ
و كم علا الأفق غيمٌ ما به مطرُ
ليس في الغاب عقيمٌ .. لا و لا فيها الدخيلْ
إنّ في التمر ِ نواة ُ .. حفظتْ سرّ النخيلْ
و يقرص الشهدِ رمزٌ .. عن قفير ٍ و حقولْ
إنما العاقر لفظٌ .. صيغَ من معتى الخمول
إعطني الناي و عنّ .. فالغِنا جسمٌ يسيلْ
و أنينُ الناي أبقى .. من مسوخ ٍ و نغولْ
***
و الموتُ في الأرض لابن الأرض خاتمة ٌ
و للأثيريّ فهوَ البدءُ و الظّفَرُ
فمن يـُعانقُ في أحلامه ِ سَحرا ً
يبقى و من نامَ كلَّ الليل يندثرُ
و من يلازمُ تـُربا ً حال يقظته
يعانق التربَ حتى تخمد الزهرُ
فالموتُ كالبحر , من خفّتْ عناصرهُ
يجتازه , و أخو الأثقال ِ ينحدرُ
ليس في الغابات مَوتٌ .. لا و لا فيها القبورْ
فإذا نيْسانُ ولّى .. لم يمتْ معهُ السرورْ
إنَّ هوْل الموْت ِ وهمٌ .. ينثني طيَّ الصدورْ
فالذي عاش ربيعا ً .. كالذي عاش الدهورْ
أعطني النايَّ و غنّ .. فالغِنا سرُ الخلود
و أنين الناي يبقى .. يبقى بعد أن يفنى الوجودْ
***
أعطني النايَ و غنّ .. و انسَ ما قلتُ و قلتَا
إنما النّطقُ هباءٌ .. فافدْني ما فعلتّا
هل تخِذتَ الغابَ مثلي .. منزلا ً دون القصورْ
فتّتّبعتَ السواقي .. و تسلقت َ الصخور ْ ؟
هل تحممتَ بعطر ٍ .. و تنشقت بنورْ
و شربْتَ الفجرَ خمرا ً .. في كؤوس ٍ من أثيرْ ؟
هل جلستّ العصر مثلي .. بين جفنات ِ العنبْ
و العناقيدُ تدّلت .. كثريات ِ الذهب ْ
فهي للصادي عيونٌ .. و لمن جاعَ الطعامْ
و هي شهدٌ و هي عطرٌ .. و لمن شاء المدامْ
هل فرشتَ العشبَ ليلا ً .. و تلحفتَ الفضا
زاهدا ً في ما سيأتي .. ناسيا ً ما قد مضى ؟
و سكوتُ الليل ِ بحرٌ .. موجه في مسمعكْ
و بصدر ِ الليل قلبٌ .. خافق ٌ في مضجعكْ
أعطني النايّ و غنّ .. و انسَ داء ً و دواء
إنما الناس سطورٌ .. كـُتبّتْ لكن بماء
ليتَ شعري أيّ نفع ٍ .. في اجتماع ٍ و زحامْ
و جدال ٍ و ضجيج ٍ .. و احتجاج ٍ و خصامْ ؟
كلها أنفاقُ خلد ٍ .. و خيوطُ العنكبوتْ
فالذي يحيا بعجز ِ .. فهو في بطء ٍ يموتْ
***
العيشُ في الغابِ و الأيام لو نـُظمت
في قبضتي لغدتْ في الغاب ِ تنتثرُ
لكنْ هو الدهرُ في نفسي لهُ أربٌ
فكلما رُمت غاباً قام َ يعتذرُ
و للتقادير ِ سُبلٌ لا تغيّرها
و الناس في عجزهم عن قصدهم قصَروا
.
.
.
النهاية
.
.
.