رغَبَاتَنا كالحُبّ والجنس والطَعَام تَذُوبُ جَمِيْعُهَا في مُصْطَلَح إشْبَاع , ونَسْعَىَ نَحْنُ كَ رَاغِبِين لإشْبَاعها بِشَكْلٍ أو بِآخر.
إن اختَلَفَتِ النِسَب فِي مِقْدَارِ الرَغْبَة , واختَلَفَت الوسَائِل فِي الإشْبَاع , يَبْقَىَ هُنَالِكَ طَرِيْقَينِ اثنَين لا ثَالِثَ بَيْنَهُمَا .. أوّلُهُمَا الحلالُ وثَانِيْهُما الحرام .
ومِنَ النَاسِ نَوْعِين, مَن أعمَتْهُ رَغْبَتُهُ فانعوَجَ نَحْوَ طَرِيْق الحَرَام , ومَنِ اتزّنَ وسَارَ فِي الطَرِيْقِ المُستَقِيم, فَهُوَ أجَادَ تَروِيض نَفْسِه .. وجِهَادها !
سنَتَحدَّثُ بِالتَفْصِيل عَن كُلِّ نَوْع .. وكُلِّ مَسْلَك .. ولِنرَىَ جَمِيْعَاً إلامَ سَنَصِل, ومِن أيِّ نَوْعٍ نَحْن , وهَل نُرِيدُ التَغْيِير .؟!
النَوْع الأوَّل , ( هُوَ مَن أعْمَتْهُ رَغْبَتُه ), إنْ أعْمَتْهُ رَغْبَتُه فَهَذا لا يَعْنِي بِالضَرُورَة أنّ ضَمِيْرَهُ مَيِّت , فالشَهَوَات بِطَبِيْعَتِهَا تُضْعِفُ النَفْس وتَهْزِمُهَا إن كَانَت هَشَّة .. وتُوصِلُهَا لِمَسْلَكِ الحَرَام فَتَنْحَدِرُ الإنْسَانِيَّة فِيْهَا شَيْئَاً فَشَيْئَاً وقَد تَمُوتُ وهذا أدْنَىَ ما يُمكِن أن يَصِل الإنْسَان إلَيْه, ومَعَ مَوْتِهَا يَمُوتُ الضَمِير .. هذا أوّلاً ..
النُوع الثَانِي , (مَن أجَادَ جِهَاد النَفْس) , فرَغَبَاتُهُ هُوَ مَن يُقيِّدُهَا بِكِلْتَا يَدَيْه , ويَشَكِّلُهَا كمَا يشَاء , فيَرْتَقِي نَحْوَ مَنْزِلَةِ الشُهَدَاء بَل وأعْلَىَ, إن ضَعُفَت نَفسُه قوّاهَا بِتَرْتِيْلِ آيَاتٍ مِنَ الذِكْرِ الحَكِيم , وإن عَرَضَ لَهُ مَا يُوصِلُهُ للحَرَام أذَاقَ نَفْسَهُ حَرَارَةَ النَارِ لِيتذكّرَ نَارَ الآخِرَة ويَرْتَدِع.
السُؤَال الذِي يَجِب أن تَطْرَحَهُ عَلَى نَفْسِك ..؟!
هُوَ .. هَل تُقيِّدُكَ شَهوَاتُك , أم تُكبِّلُهَا , لا تُجِب , أنَا لا أنْتَظِرُ الإجَابَة , احْفَظْهَا فِي قَلْبِك .. فَقَط , كُن صَرِيْحَاً مَعَ نَفْسِك..
إن كَانَت شهَوَاتُكَ تُقيِّدُك , فَهَل مَاتَ فِيكَ الضَمِير , أم أنَّهُ عَلَىَ شَفَا حُفْرَة مِنَ المَوْت , أم أنّهَا تَضْعَفُكَ قَلِيْلاً .!؟
وإن كُنتَ مِمّن يُكبّل شَهَوَاتَه , فَهَل تُكبّلُهَا دَائِمَا ؟ , أم أنَّكَ تَتَلَقَىَ صُعُوبَة كَبِيْرَة فِي ذَلِك .!؟
تذكَّر أَن تَكُونَ صَرِيْحَاً معَ نَفْسِك ..
إنَّنَا كإنْسَان يَحْمِلُ غَرِيزَة وَعَقْل , مُعرّضِيْنَ لِلخَطَأ ..
اتّبَاع الغَرِيْزَة يُحوِّل الإنْسَان لِحَيْوَان لا يَسْعَىَ إلاّ بِإشْبَاع رَغَبَاتِه ,واتّبَاع العَقْل يُحوِّل الإنْسَان لِمَلاكٍ طَاهِر .. يَسْعَى لِكُلّ ما يَسْمُو بِه.
إنَّنَا نَحْتَاجُ لِأَن نَقِفَ عِنْدَ نُقْطَة مُعيَّنَة, ونُحَاسِب أنْفُسَنَا , ونُفكّرُ في إهمَالِنَا لهَا , نَحْنُ لا نَتَوَانَىَ عَن إشْبَاعِ رَغَبَاتِنَا و تَلْبِيَة أوَامِرِ أجْسَادِنَا ونتَبِعُ أهوَائَنَا ونَعْمَلُ للدُنيَا, ولكِنّنَا نُهمِلُ في تَنْشِئَة وتَرْبِيَة وتَهْذِيب أنْفُسنَا , لا نَنْهَاهَا عَن الهَوَىَ ,ونَسِيرُ رَاغِبِينَ في مُتَعِ الدُنيَا عَامِلِينَ لِرَاحَةِ أجسَادِنَا طَائِعِينَ لِأَهْوَائِنَا , فمَا عسَانَا فَاعِلِين غَدَاً ..
(يَوْمَ تَجِدُ كُلّ نَفْسٍ مَا عَمِلَت مِن خَير مُحضراً وما عملت من سُوء ) .
أفَهَل نَقِفُ الآن .. وَقْفَةً نُقرّرُ فِيْهَا مُرَاقَبَة النَفْس وتَهْذِيْبِهَا , ونَسْعَىَ لِذلِكَ بِإرَادَةٍ جبّارَة , ؟ لـِ نَكُونَ مِمّن قَال الله عَنْهُم فِي مُحكَمِ كِتَابِه ,
(وأمَّا مَن خَافَ مَقَامَ ربِّهِ ونَهَىَ النَّفْسَ عَِنِ الهَوَىَ . فَأنَّ الجَنَّةَ هِي المَأوَىَ) وندخلُهَا بِسلامٍ آمِنين ..
ولا نكُونَ مِمّن قَال فِيْهِم (وأمّا مَن طَغَىَ . وآثَرَ الحيَاة الدُنْيَا . فإنّ الجحيم هِيَ المَأوَىَ ) ..
إنَّنَا الآن عَلَىَ أعْتَابِ الشَهْرِ الفَضِيْلِ المُبَارك, الشَهْرُ الذِي وَهَبَنَا الله إيّاه, شهْرُ الغُفرَان وإذَابَة جَلِيْدِ الذنُوبِ الصَغَائِرِ مِنْهَا والكبَائِر , بِمَغْفِرَة ورَحْمَانِيَة مِنَ الرَحْمَنِ الرَحِيم , تَشْمَلُ مَن يَسْعَىَ ليَنَال هذِهِ المَغْفِرَة بِإحيَاءِ العِبَادَات, والإسْتِغْفَار , والتَوْبَة النصُوح ألا وهِيَ العَزم على عَدَم العَوْدَة للذَنْب, وإحيَاء لَيْلَة القَدْر , وإقَامَة الصَلَوَات المُستحَبَّة, وإطَالة السجُود, وقِرَاءَة القُرآن والأذكَار والأدعِيَة والمُنَاجَاة , والتِي تُقرّبُنَا جَمِيْعهَا مِنَ الخَالِق .
وعَلَيْنَا أن نَثِقَ بالله .. فَهُوَ يقُولُ فِي مُحكَمِ كِتَابِه (قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) .
وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدلله ربِّ العَالمِين , وكُل عام وأنتُم إلا اللهِ أقْرَب .. نَسَألُكُم الدُعَاء ..
سَارَة العُوينَاتِي
20 / أغسطُس / 2009