إن كنا نتألم والعلاج بين أيدينَا فلم نأخذ دواءنا من الغرب ,علاجنا القرآن لا العلمنة! بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم بِدايَةً أنَا سَأُطِيلُ , ولَن أعْتَذِرَ عَن إطَالَتِي , فأنا إنَّمَا كتبتُ هذه المقالة , ومَنَحْتُ نفْسِي بعضَ الوقتِ لكتابَتها للردّ على الـ كثِير الخاطِئ من وجهة نظري مِمَّا ورَدَ فِي مقالتكِ .. لأنّي كمُسلمَة رسالية , وأحمِلُ رسالة الإسلام الجُهد الّذِي بَذَل فِيه حبيبنا المُصطَفَىَ مُحمَّد صلى الله عليه وآله وسلّم جُلّ حياتِه لِيَصِلَ إلَيْنَا عمِيقاً, وها نحنُ نرَىَ اليوم المَوجَات الّتِي تُحاوِلُ أن تَجْرِفَ مَعَهَا عدداً مِن شَبَابِنَا , واحِدَة من هذِهِ المَوجَات هِيَ العلمَنَة الَّتِي تُحاوِلَ يا عزِيز أن تُوضِحَهَا حَسَبَ فِكْرَك , وأوضِحهَا أنا حسَب فِكْرِي , والإختِلاف في الرأي لا يُفسِد للودّ قضِيَّة . أوَّلاً : العلمانية تقصِي حقيقة العبادات , وتفصِل الدِّين عَن بَاقِي الحيَاة , إذ أنَّها تقتَصِر الدِّين في المَسْجِد والمَنْزِل .. ويبقَىَ الإنسَان بعيداً عَنِ الدِّين في مُمارسَة بقيَّة حياتِهِ من عَمَلٍ وحاجات وما إلى آخِرِه .. كتَفْصِيل أقُول , هل كانَ حبيبُنا المُصْطَفَىَ أبو القَاسِمِ مُحمَّد صلّى الله عليهِ وآله وسلَّم يُمارِسُ حياتَهُ بعيداً عنِ الدِّين .!؟ وهَل كَانَ يُؤمُّ النَاسَ فِي الصَلاةِ وحِينَ يخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ يَنْسَىَ الدِّين ويترُكُهُ جانِبَاً ويُمارِسُ حياتَهُ بعيداً عَنِ الدِّين ؟! إن قُلتَ نَعَم , كانَ يَفْصِل بينَ الدِّين والسيَاسَة فهَب لِي دليلاً من السُنَّة الشرِيفَة أو القُرآن الكريم , أو أيّ كتابٍ شِئت تُثبِت لي فيه أنّ النبيّ كان يفْصِلُ في حياتِهِ بينَ الدِّين والسياسَة .. وأسَاساً إن قُلتَ بأنّ النبي كان يفصِلُ بينهُما فأنتَ تعتَبِرُ بِأنّ رسالة محمّد (ص) ناقِصَة , وإن قُلتَ بأنّها ناقصة , فأنتَ تقُول بأنّ الله بعثَ نبيّاً ورسالة ناقصة , والعياذ بالله . إن قُلتَ لا , لم يكُن كذلك بل إنّ الرَسُول لم يكُن يفْصِل بينَ الدّين والسياسة وإنَّما اقتضَىَ لهُ أن يفْعَلَ ذلِك لأنَّهُ نبيّ ومُرسَل ويحمِلُ في عاتِقِه رِسَالَة .. فَأنا أقُولُ لكَ بِأنّ فِعْلَ النبيِّ سُنَّة .. وقولَهُ سُنَّة .. وتقريرهُ سُنَّة. إلاَّ إن كُنتَ تَعْتَبِر بِأنَّ حُبَّنَا للنبيّ وفعلنَا لما فعَل وما أمرَنَا به النبي وهُوَ أمرٌ مُنزَّل من الله , لهُوَ مُغالاة في الحبيب المُصطفَىَ كما يقُول كافَّة العلمانيُّون .. فهُنا يتخِذ الحَدِيث مجرَىً آخَر ! ثانيَاً : العلمَانِيَّة الحالية لا تفصِل الدِّين عن السياسة فقَط , بل إنها فصَلَت الدِّين عن كُلّ نواحِي الحياة , بل وحوَّلت الدِّين إلى مُجرَّد طُقُوس , من صلاة وصِيَام , طُقُوس فردِيَّة , تُؤدَّى بحرَكَات مُعيَّنَة , ضيِّقَة الفِكْر وفارغَة من المُحتَوَى , حتَّىَ أنّ كمّاً كبِيراً مِنَ الشعُوب يُؤدِّي الصَلاة بِلا أيّ فِهْمٍ للمَعَنَىَ من ورَاءِ هذِهِ الصلاة , ولا يَعْرِفُ عَنْهَا سِوَىَ أنّها حركات تُؤدّى يومياّ خَمْسَ مرّات بعدد ركَعَاتٍ مُختَلِفَة , نحنُ نَرْفُض العلمَانيَّة بِكُل ما أوتِينَا من قُوَّة ونَسْعَىَ لإبادَتِهَا من مُجتَمَعاتِنَا ولو بالكَلِمَة الّتِي تُكتَب في المسَاحَات الضَيِّقَة , كثِيرٌ مِنَّا , كثِيرٌ منا , كثِيرٌ منا .. لا أقول جميعُنا , يَرْفُضُ العلْمَنَة , ولكنّهُ يُمارِسُها حقيقةً , ولنا أن نقُول إن كانت فِئَة كبيرة تُمارِسُها, فلا يُمكننا أن نقُول بأنّ العلمانيّة سُلُوك سويّ وفطْرِيّ وسليم !!! ثالثاً : كثِير من كلامِكَ صَحِيح بِشَأنِ ما ذَكَرْتَهُ عَنِ التَعَايُش , اقتباس: (إن العلمانية ليست شراً كمافهمها المتدينون، ففي البلاد المتعددة الأعراق والطوائف والأديان والمذاهب ستصبحفرضاً على الدولة لتطبيقها، وإن لم تطبقه فإن ميزان عدلها بين أبنائها سيختل لامحالة، إذ من الصعب التجانس والتناغم بيسر وسهولة بين أفراد الشعب لولا تطبيق العلمانية، فعندما تنجح أغلبية هندوسية بحكم أقلية مسلمة وعندما تنجح أغلبية مسلمةبحكم أقلية قبطية كما في الهند ومصر على التوالي فاعلم أنها تطبق العلمانية، وعندماترى السني حقوقه مهضومة بين أغلبية شيعية كما في إيران والشيعي حقوقه مهضومة بينأغلبية سنية كما في السعودية فتيقن بتحكم الدين وغياب العلمانية، ولا أبالغ القولأنه لولا العلمانية في بعض البلدان لرأينا أنهاراً من الدماء تسيل بلا حساب أوعقاب.) | إن هُضِمَت حُقُوق أغلَبِيَّة على حقُوق أقليَّة فِي أيِّ بَلَدٍ مِمَّا ذَكَرْت , فهذَا لا يَعْنِي بِأنَّ الإسْلام قَد دَعَىَ إلى ذَلِك , وهذا لا يَعْنِي أنَّ العِلْمَانِيَّة تفُوق الإسلام رُتبَةً ودَرَجَةً , وهذا لا يَعْنِي أن مُفكِّرَاً مسيحيَّاً يهُودِيَّاً كافِراً كيفما كانَ يكُون هُوَ أفْضَل مِنّ النبيّ المُصطَفَىَ الّذِي حَمَلَ رِسَالَةَ الإسْلامِ على عاتِقِهِ وأوصَلَهَا إلَيْنَا اليوم! إنّ هضم حقوق أغلبية على حقوق أقليَّة هُوَ يعْنِي وقُوع الظُلم , وغياب العَدْل , وهُوَ يَعْنِي عدَم تَتبُّع تعاليم الإسلام , وهُوَ يَعْنِي أنّ الحُكُوماَت الّتِي تعلُو الكراسِي الملكِيَّة هِيَ المُذْنِبَة وهِيَ تتحمَّل على عاتِقِهَا مسْؤوليَّة هضم حقُوق أقليَّة الشَعْب ! إذا كانَ الإسلام لَم يُطبَّق كمَا ينبَغِي , والضَمَائِرَ ماتَت , والمالَ طَغَىَ , فهذا لا يَعْنِي بِأن نأتِي بِفِكْر غربي ونجعَلَهُ فوق فِكرِنَا الإسلامِيّ , وما نصّ عليهِ قُرآننا الحنِيف ..! وبدلاً من دَعوَتِكَ هذِهِ للعلمانيَّة , ادْعُ من شئتَ للإسلام الصحيح , وحاوِل أن تُيْقِظَ الضمَائِر الميَّتَة بكلمَةٍ منكَ فأنتَ لا تعلَم , رُبَّمَا يتأثَّرُ شخصٌ ما بكلامِكَ , فغداً تلقَىَ الإله .. ربّ القُرآن . وربّ مُحمّد (ص) , وربّ من أنجَبَ العلمنة العقيمة . الإسْلامُ صرِيح واضِح عادِل سماوِي , إنّما كثِيرُون يحمِلُونَ إسْمَ الإسلامِ ولا يُطبِّقُون تعاليمِه .. !! خُذ مثلاً , هل كُلّ تُجّار العالم المُسلمُون يُزكّون , أقْسِمُ , أقْسِمُ , لو كان جميعهُم يفعَل لما حلّ الفَقْرُ . لا نحتاجُ يا عزيز لأن نتتبّع فكر غربي ونحنُ نمتلِك ثقافة وفكر عظيم في قُرآننا وكُل ما علينا فعله هُوَ تتبُّع ما في القُرآن لا ان نجْعَلُهُ جانباً , ونُردّد نعيق الغرب / أنّ هذا القُرآن هُوَ صالح لفترة زمنيّة وقدِ انتهَت فقط لندعُو إلى تطبيقه .! إن كُنّا نتألّم والدواءُ بينَ أيدِينَا فلِمَ نَأخُذُ دواءنا من الغَرْب ,علاجُنا القرآنُ لا العَلمنة. رابعاً : اقتباس: (إن العلمانية ليست بديلاً عن الدين بل هو نظامحكم وآلية حياة للدولة الحديثة التي تقوم على وجود المواطنين بمختلف أطيافهم لاكالدولة القديمة التي كانت تقام على الانتماء الديني، كما أنها لم تكن مستهجنة يوماما في التاريخ الإسلامي القديم إذ يمكن اعتبار الحديث النبوي (أنتم أعلم بأموردنياكم) دعوة صريحة لممارسة العلمانية.) | حسناً , إن كُنتَ لا تعتبرُها بديلاً عن الدّين , وإن كُنتَ ترَىَ بأنّ العلمانيّة مُجرّد نِظَام , وإن كُنتَ تنتقد علماء الدّين في تدخلهم في كُلّ صغيرة وكبيرة , وتحويلهُم مهنتهُم للُعبَة ويستغلّونَ المنابِر وما إلى آخره .. ! إن كُنتَ تنتقدهُم في تدخُلِهِم في ما لا شأنَ لهُم به , فلِمَ تُفسِّرُ أنتَ الحدِيث النبويّ ( أنت أعلم بأمور دنياكُم ) وتكيل بالميزان إلى طرف العلمانيّة , الطرف المُحبّب إليك كما يبدُوا .. إن كُنتَ تدعُوهُم لترك ما ليسَ لهُم فيه من شأن فـ اترُك لهُم عملهُم ليتركُونَ لكَ عملَك . أقول : اقتباسكَ لحديث نبويّ , وتفسيرك إيّاه حسب هواك , وبأنّه دعوة صريحة لممارسة العلمانيّة , هذا أمرٌ قد يعُودُ عليكَ بالضرّرِ غداً .. أخيراً : العلمنَة بشكل خاص , والعولمة بشكل عام , تعمَد إلى تغيير الإنسان بما أودعهُ الله فيه من جوهر مادي ومعنوي , إلى غرائز وشهوات وتحويله إلى سلعَة استهلاكيّة غير قادرة على التفكِير . لذلِك يجِب أن تكُونَ هويّتنا ثابِتَة . غير قابلة للتمييع , وأن يكُون لدَيْنَا قيم دينيّة نتمسّك بها , لنحصّن ذاتنا ضدّ أي موجات تُحاوِل أن تجرفنا معها . ____________________________________
نجدُ الإجابة.. حين ننسى الأسئلة*
|