لابُدَّ لِلحَيَاةِ أن تُعْطِينَا شَيْئَاً , فَهِيَ قَد أَخَذَت مِنَّا عُمْرَاً مَضَىَ !
حِينَمَا يقِفُ الإسْتِفْهَام فَوْقَ أجْنِحَةِ السُؤَالِ بِصَلابَة يَصُفُّ المُترَادِفَات بِعَفْوِيَة طالِبَاً الإجَابَة !
.
لِمَ الزَمَنُ يَهْرُبُ مِنَّاً , وكَأنَّهُ مَلَّ الإنْتِظَارَ !؟
ألَمْ يَحِن وَقْتُ العِنَاقِ الأبدِيِّ للسَعَادَة ؟!
أحقَّاً السَعَادَة هِيَ مَطْلَبُ كُلّ الدُنيَا !؟
العُمْرُ يتَنَاقَصُ فَمَاذَاَ قَدَّمْنَا لِغَدٍ !؟
تَتَرَهَّلُ الكَلِمَاتُ فَوْقَ جَسَدِ الحيَاة ويتَزَايدُ المَارَّة فَوْقَ أرْصِفَةِ العُمْرِ , ولاَ يَبْقَىَ إلاّ أن نَمْضِي , نَحْوَ الحُلم !
الحُلْمُ , وهَل هُنَالِكَ ما يَجْعَلُ الأمَلَ يَخْفِقُ مِن القَلْبِ ويَنْبِضُ حتَّىَ يَبُثَّ الحَيَاة فِي كُلّ الجَسَدِ المُرْهَق إلاّ الحُلْم !
الحُلمُ , وهَل هُنَالِكَ ما يَجْعَلُ الحُزْنَ يَذُوبُ ويُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ المَاضِي , إلاَّ التَمَسُّكِ بِتَلابِيبِ ثَوْبِ الحُلْمِ !
الثِقَة بِالخَالِقِ هِيَ مَصْدَرُ تَشَبُّثِي بِعَشْرِ أنَامِلِي بِالحُلْمِ الَّذِي .... يـَ تحقّقُ الآن!
حِينَ دقَّت السَاعَة مُشِيرَة للثانِيَة عشَر مسَاءاً , كَانَ يَجِبُ أن أقُومَ للعِنَاق معَ المَعْشُوقَة القُدْسِيَّة الصَلاة , ولكِنّهُ الشَيْطَانُ نَفْسُهُ الّذِي أخْرَجَ أبِي آدَمُ مِنَ الجنَّة كَان يُكبِّلُنِي بِقُيُود حَدِيديَّة تَمْنَعُنِي مِنَ لَحَظَاتِ اللّقَاءِ مَعَ المحبُوب ,أعْلَمُ أنَّهُ هُوَ ولكِنِّي لا أجِدُ القُوَّةَ هذِهِ اللَّيْلَة للهُرُوبِ مِنْه ! أجِدُهُ أقوَىَ ! رُبمَّا لِذَنْبٍ عَمِلْتُهُ فَأضْعَفَنِي وغابَ عنِّي الصَبْرُ على أدَاءِ الطاعَة !
كُنتُ قَد التَهَيْتُ بِالكِتَابَةِ والدِرَاسَة طَوَالَ اليَوم , مِمَّا مَنَعَنِي مِن أكْلِ شيءٍ إلاّ قُرْصَ شُوكُولاتَه التَهَمْتُهُ بِشَرَاهَةٍ تَامَّة ولا شيءَ سِوَاهُ , وكأنّ هذا الجَسَدَ يَشْتَكِي ألَمَاً , وكَأنِّي اسْتَقْرِئُ ضَعْفَ الإنسَانِ فِيّ , تلكَ اللحّظَة !
السَاعَة تُشِيرُ للواحِدَة , عُلَبُ البِيبسِي وبَعْضُ العَسَلِ , بجَانِبِي , القُرْآنُ عَن يَمِينِي وكُتُبُ الأدْعِيَة إلَىَ جِوَارِهِ , السَجَادَةُ أمَامِي , كُلّ ما عليّ فِعْلُهُ هُوَ الوقُوف فَقَط !
أتَجَاهَلُ كُلّ شيء, كَأنَّ الشَيْطَانَ قَد ذَكَّرَنِي بِفِيلمٍ قَد تَرَكَتْهُ إحْدَىَ الزَمِيلات علَىَ شَاشَةِ الـ desktop , لَن أكتُبَ شيْئَاً ولَن أُكْمِلَ عَمَلِي المُتراكِم , ولَن أدْرُسَ لامتِحَانَاتِي , ولَن أفتَحَ إيميلات الفرقَة , لَن أفْعَلَ شيئَاً , سَأُشَاهِدُ الفِيلمَ .. وَحَسْب .
السَاعَة تُشِيرُ للثانيَة والنِّصْف , الفِيْلم في مُنتَصَفِه , أتَمَنَّىَ لَو أنَّ شَيْئَاً يَحْدُثُ الآن لأُصَلِّي , فَقَط أرِيدُ أن أصلِّي , ما خَطْبِيَ اليَوم !
دَقَائِقَ فَقَط , و أُطْفِئَ الجِهَازُ , حاوَلْتُ إعادَةَ تَشْغِيْلِه , حاوَلْتُ إعادَةَ الضَبْطَ , إيْصَالَهُ بالشَاحِنِ , ولَم يعْمَل .
ابْتَسَمْتُ وكَأنّ الأمْنِيَّة المَخبُوئَة بَيْنَ ثَنَايَا القَلْبُ قَدُ استُجيبَت , ربَّاه ما أضْعَفَ هذِهِ الرُوح , هشَّةٌ جِدَّاً , هشَّةٌ جِدَّاً !
خَرجْتُ للبَاحَةِ الخَلْفِيَّة للمَنْزِل لأرَىَ السمَاء وأُسْبِغُ الوُضَوء , وإذَاَ بِالسَمَاءِ باكِيَة , والأرْضُ تُرْسِلُ رِيحَاً زَعْزَعَاً , الدُنْيَاَ مُتشَرِبَّة بالحُمْرَة , الأشْيَاءُ تَتَطَايَرُ .. !
كِدْتُ أن أبكِي , أهذَا غَضَبُكَ يَاربّ على عِبَادِكَ , أم أنّهُ رَحْمَة ؟ يا ربّ أخشَاكَ ولا احَدَ سِوَاك ! وبَكَيتُ ! لَم أكُن وَحْدِي حينَذَاك , كَانَ اللهُ مَعِي .
أخَذْتُ قُرآنِي وحَمَلْتُهُ بِيُسْرَايَ كمَا أفعَلُ دائِمَاً , أقرِّبُهُ مِنّي , إبْهَامِي الأيْمَن على الصَفْحةِ اليُمْنَىَ , أقْرَأُ الآيَةَ " يا أيُّها الرَسُولُ بَلِّغ ما أنْزِلَ إلَيكَ " , وأتمّ الجزْءَ . وأصَلِّي .
يَهْدَأُ ضَجِيجُ الدُّنْيَا وتَهْدَأُ هذِهِ النَّفْسَ بَعْدَ لحَظَاتِ الوَصْلِ , يُخيَّلُ إلَيَّ [ لَو أنّ إبْلِيس يمُوت ] !
ويُطِلّ الفَجْرُ فِي الرابِعَة , ومَعَ صَوْتِ الأذَانِ الّذِي يستَلّلُ لِتخشَعَ لهُ القُلُوبُ , أسْمَعُ صَوْتَ والِدِي وهُوَ يُؤدّي الفَرْضَ بِخُشُوعٍ تامّ , الرَابِعَة والربع يَرَانِي فيَبْتَسِمُ .. تَدُبُّ الحيَاةُ وَتسلّلُ أنفَاسِ الصَبَاح للحيَاة , فَأخلُدُ للنّوم , وقَبْلَ أن أغْفُو أخْبِرُ خالقَ الجنَّةِ بِأنِّي أحبِّهُ وأحِبُّ مَن يُحِبُّه , وأثِقُ بِهِ ثقَةً لا حدَّ لَهَا , وأوؤمِنُ بِكُلِّ ما بثَّهُ فِي داخِلِي , وبِكُلّ ما مَنَحَنِي إيَّاه !
فِي هذِهِ اللَّيْلَة وَجَدْتُ حُلمَاً طريَّاً يَسْكُنُ عَقْلِي , ويستَوْطِنُ قَلْبِي , هٌوَ [حُلْمُ الشَهَادَة] .