السَادِس عشَر / يُوليُو افتَرَشْتُ التُرْبَةَ وجَلَسْتُ عَلَى الشَاطِئِ , تَأمَّلْتُ بِهُدُوءٍ ذوَبَانَ الشَمْسِ فِي سمَاءِ الله , جُلْتُ بِنَظَرِي نَحْوَ طِفْلٍ حِينَمَا صَرَخَ بِأخْتِهِ قَائِلاً : ستَقْتُلينَ النَجمَةَ !! بِسُرْعَة امْلئِي الحُفْرَةَ بِالمَاء ! .. [ وهَلِ النَجْمُ يَمُوت ؟ ] , بقِيَ يَصْرُخُ بِبَرَاءَةِ طِفْلٍ : سَتَقْتُلِينَ النَجْمَة .. ستَقتُلِينَهَا , هيَّا امْلئِي الحُفْرَة ! , فِيمَا كان نَظَرُهُ على النَجْمَة يتَفَحَّصُ لَوْنَهَا , يُقرِّبُهَا إلَىَ أذُنِهِ تارةً [ وهَل يتَحَدَثُ النَجْم ؟! ] , ويلْمِسُهَا تارةً أخْرَىَ .. ! مَلَأت هِيَ الحُفْرَةَ بِالمَاء , وَ وَضَعَ النجْمَة على عَجَلَةٍ مِن أمْرِه , ولكنّها لم تَتَحرَك ! , وظَلَّ يصْرُخ : لَقَد مَاتَت النَجْمَة ! اجْتَمَعَ مِن حَوْلِهِ الأطْفَال الّذِينَ كانُو يَنتَظِرُونَ مِنَ النَجْمِ أن يسْبَحَ فِي بُحَيْرَتِهِم الصَّغِيرَة , وشَعَرُوا بالخَيْبَة فِيمَا حمَلَ هُو النَجْمَة قَائِلاً : لقَد ماتَت سَأدْفُنُهَا ! ابتَسَمْتُ حينَهَا وجُلتُ بِنَظِرِي للنَوْرَسِ الأبيَضِ المُحلِّقِ حَيْثُ تَنْسَابُ الأشِعَةُ لِتُلوِّنَ السَمَاءَ بِلَوْنِ الشَمْسِ , وتذُوبُ ألوَانُهَا فِي بَحْرِنَا الأزْرَق , حَيْثُ أرْخَت السُفُنُ أشْرِعَتَهَا واستَقَرَّت , وحَيْثُ يعلُو صوتُ المَوْجُ ليُذِيبَ كُلّ ذَرَاتِ الحُزْنِ المُترَاكمَة فَوْقَ طبَقَاتِ الأرْض , [ وكَأنّ المَوْجَ والسَمَاء تَرْنِيمَةُ فَرَحٍ منَحَهَا الرَبُّ للأرْضِ ], ما أجْمَلَ خيُوطَ الشَمْسَ الّتِي تسْبَحُ مَعَ الأطْفَالِ , معَ ذَاكَ الرَجُلِ الذي يحمِلُ ابنَهُ على كَتِفَيْهِ ويَسِيرُ فَوْقَ الأرْضِ الّتِي يغْشَاها المَوْج , حتَّىَ يبعُدُ ويصْغُرُ ولا يُرَىَ مِنْهُ إلاّ ظِلاّ أسْوَد غارِقُ هُوَ الآخَر فِي البَحْرِ .. وما أحلَىَ لَوْنَ الخَيْلِ المُبتَلِّ بِمَاءِ البحرِ .. وفِي أرْضِ الشاطِئِ أمٌ فِي عيْنَيْهَا حُلمٌ أبْيض تَنْظُرُ لابنِهَا الّذِي يتخطّىَ خطواتِهِ بِبُطءٍ , يبدُو أنّهُ حَدِيثُ العَهْدِ بِلَذَّةِ المَشْيِ , يدْخُلُ للبَحْرِ وتُسْرِعُ نَحوْهُ خائِفَةً , يَبْتَلٌّ بِمَاءِ الله , يُحاوِلُ أن يلتَقِطَ كُرَتَهُ البَيْضَاء الّتِي اختَطَفَهَا المَوْجُ حِينَ أرَادَ مُداعبَتَهُ , وفيمَا كانَ يلحَقُ بالمَوْجِ كانَ المَوْجُ يهْرُبُ حامِلاً مَعَهُ فَرَحَاً , وتاركاً في قَلْبِ الطِفْلِ لذَّةَ المُحاولَة .. أمّهُ تَنْظُرُ إليه وهُوَ ينْظُرُ للمَوْجِ , والتَقَطَ الكُرَةَ أخيراً ! رجُلٌ آخَر جاءَ وفِي قَسَمَاتِهِ تمَرُّد , أشَحْتُ بوَجْهِيَ عَنْهَ ونَظَرْتُ [ للشَمْسِ وهِيَ غَارِقَةً فِي الأُفُق , لتَنَامَ فِي عُمْقِ البَحْرِ ], وتُضِيَء لعالمِه , سُبْحَانَكَ ربِّي إذ خَلَقْتَ الكَوْنَ وأنتَ أحْسَنُ الخَالِقِين .. سَارَة , سَارَة , نادَتْنِي هِيَ بِصْوتِهَا المبْحُوح , قَائِلَةً : يتلاءَمُ الزَمَانُ والمَكَان لتُدوِنِي يوميّاتكِ ! , أجبَبْتُها بلَىَ هُوَ الزَمَان قَادِراً على أن يَخْلُقَ حَرْفَاً مُتفرِّدَاً فالمَغيبُ آيَةُ جمالٍ , والمَكَانُ يتفرَّدُ بخَلقِ هذِهِ الرَغْبَة في الكِتَابَة .. فالمكَانً أيْضَاً آيَةُ جمَال ! .. زَهْرَاء هِيَ الأُخرَىَ[ كانَت تجُولُ فِي ميَادِينِ الصَمْتِ وتجُوبُ دَهَالِيزَه ] ! .. وعُدْتُ مَعَ صَوْتِ الاذَانِ في السَابِعَةِ مسَاءاً , فِي قَرْيَةِ أمِّي كَانَت الأنوَارِ مُضَاءَة , والقَرْيَةُ القَدِيمَة تَكْتَسِي بِالزِينَةِ , استعدَاداً لِلْحَفْلِ , إنَّهَا لَيْلَةُ مِيلادِ الحُسين .. يوم الجُمْعَةَ – السَادِس عشَر من شهرِ يُوليُو . ____________________________________
نجدُ الإجابة.. حين ننسى الأسئلة*
|