بسم الله الرحمن الرحيم
يركض الواحد منا بحثاً عن سراب يدعى التغير على أساس أن الحية التي لا تغير جلدها تموت، فصنعنا من أنفسنا أضخم أنواع الثعابين نجول الأرض شرقها وغربها باحثين عن التغير، فمنهم من يغير في طريقة كلامه فإذا كان ذو أسلوب منمق تحول إلى (شوارعجي) والعكس كنوع من التغير، ومنهم من يغير من طريقة لبسه وقد يضطر أحيانا للبس أشياء لا تليق بسنه أو شكله ولكن (كنوع من التغير)، ومنهم من يغير سيارته وبيته وأصدقائه وأيضا زوجته وكل ذالك يسكب في وعاء كبير اسمه (نوع من التغير).
يضيق الحال بنا سواءً مادياً أو معنوياً فتَسوَدُ الحياة في أعيننا ونرى أقرب الناس أبعدهم، وأبعدهم لم نعد نستطيع أن نراهم، فنرى الكون الفسيح أضيق من علبة (صلصة) فنشعر بأن الموت قد اقترب من الحية التي طالت فترة ارتدائها لجلدها فنحفر الأرض باحثين عن التغير أو نعتكف في البيوت دون مقابلة أي إنسان، وذلك يندرج أيضا تحت التغير.
لا أخفيكم سراً لقد مررت بهذه الفترة عدت مرات، وفي احدها زاد بي الحال قليلاً فإقترحت على نفسي أن أحرك أقدامي قليلاً في الحي الذي نسكن فيه، وقبيل غروب الشمس (وكنت وقتها قد ابتعدت كثيرا عن منزلي) رأيت طفلاً بريء الملامح يرتدي من كل رف قطعه يحطم أي شئ مصنوعٍ من الزجاج، فأتتني رغبة بأن أراقب ذلك الطفل من بعيد من دون أن يشعر بي ولا يحس أبدا بوجودي، حتى لا يتوقف خوفا مني أو يتصنع، لأني لطالما أحببت المناظر العفوية، فجلست بعيداً وأشعلت سيجارتي وكان شغلي الشاغل النظر إليه وبعد فترة ليست بقصيرة تمادى الطفل فخفت عليه بأن يجرح نفسه، فتشجعت وذهبت إلى ذالك المجرم الصغير قاتل الزجاج، وعندما وصلت إليه وإذا به ينظر إلي بنظرة حادة أخافتني (ليس منه طبعاً ولكن بأن لا يجلب إلي المتاعب مع احد أفراد عائلته فهي ما كانت تنقصني حينها) لكني كنت بارعاً في التفاهم مع الأطفال فإقتربت إليه وأخذت امرر يدي على رأسه ليس حباً فيه ولكن لأن في خاطري سؤال يكاد يخنقني ومن حسن حظي أنني وجدت في جيبي قطعه من العلك فأعطيته وأصبحنا أصدقاء
فسألته: ليش بتعمل كذا يا شاطر؟
فكانت إجابته كالصاعقة قال فيها: أنا ابغى أسوي كذا..
ذهلت وقمت من جانبه دون أي ردة فعل حتى لم اقل له مع السلامة، فمشيت مطأطأ الرأس وعقلي ليس بملكي كجهاز الكمبيوتر القديم عندما تشغل الباحث عن الفيروسات تظل تنظر في شاشته دون أن تفعل أي شي (لأنك لو فعلت سيطفأ)، ومشيت وأنا مشوش التفكير إلى أن وصلت إلى منطقه تبعد كثيرا عن بيتي، اشتريت ماءً لكي اخفف حرقة الصاعقة وجلست على الرصيف وعيناي تراقب السيارات، كنت أتهرب من رؤية وجهي في أي عاكس لأني لو رأيته سوف أسلط عليه جام غضبي.
ومن بعد أن اخبرني ذالك الحكيم الصغير (مجرم الزجاج)، علمت أن لكل واحد منا قصراً جميلاً كما يريد من الزجاج ( ألا وهي الحياة ) وأنت الذي بمحض إرادتك تحطم قصرك بنفسك،
وإذا تحطم قصرك فلن تجد مكاناً تعيش فيه، فتجول بلا بوصلة باحثاً عن بديل ولن تجد لأنك لا تريد، فالشقاء والسعادة بيدك، أنت الذي تتحكم في حياتك فخذها إلى أي ميناءِ تريد، ولا بأس في أن تلمع زجاج قصرك وتزينه لأن (الحية التي لا تغير جلدها تموت).
by: sha3non