عرض مشاركة واحدة
  #3 (permalink)  
قديم 27-01-2011, 22:48
البيان البيان غير متصل
السمو
 
بداياتي : May 2008
الـ وطن : نبض الحجاز
المشاركات: 194
تقييم المستوى: 0
البيان is an unknown quantity at this point
افتراضي رد: نماذج إنترنتية فاسدة !

ــ 2 ــ
وأما النموذج الثاني فهو لا يقل ضرراً عن النموذج الأول , إذ أنه يتقاطع معه في دافعية السلوك المريضة . هذا النموذج يتمثل حقيقة في " الشريحة الإقصائية !" تلك الشريحة التي تمارس كل أنواع "الإرهاب الأدبي" لمجرد الاختلاف معهم !

مما لاشك فيه أن الاختلاف سنة كونية لقوله تعالى {ولايزالون مختلفين إلاّ من رحم ربك ولذلك خلقهم }, والتاريخ يعجّ بالأمثلة التي تؤكد على طبيعة الاختلاف الفطرية إلاّ أن المشكلة كل المشكلة في هذه الشريحة التي تُصرّبقصد أو بغير قصد على تجاهل تلك الحقيقة , وتعمل على إقصاء ونبذ الآخرين بكل الوسائل المشروعة , وغير المشروعة , وتحت ذرائع متعددة منها ما هو ديني , ومنها ماهو سياسي , ومنها ما هو اجتماعي , ومنها ما هو شخصي , حتى أصبحت مشاعر الكراهية هي القاعدة , ومشاعرالحب والود , والأخوة هي الاستثناء !

أن الحديث عن الحوار وأهميته , والتعريف بآدابه , واستعراض الكثير من الأمثلة الشرعية والتاريخية له , يجب أن يستمر وإن لا ينقطع , ولعلى أذهب ابعد من ذلك وأقول أنه أصبح واجباً شرعياً على كافة المؤسسات الإعلامية , والتعليمية , والمحاضن التربوية المختلفة .

ولا أعتقد أنني أبالغ إذا قلت أن من أهم الأزمات التي يواجهها المسلمين والعرب في الفترة الحالية هي أزمة الحوار, إذ أن الأمة التي نهاها , وحذرها نبيها عليه الصلاة والسلام من العصبية بـقوله " دعوها فإنها منتنة " مازالت تعاني أشدالمعاناة من عقلية المذهبية , والحزبية , والعنصرية القبليّة , والفئوية , ومن ثقافة إن لم تكن معى فأنت ضدي , تلك الشريحة التي تؤمن باختصار بأنها الفئة التي لايأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ! وإذا كنا قد أشرنا إلى تلك الفئة , فمن حقنا أن نتساءل عن بعض أسباب وجودها .

تقول العبارة الشهيرة : " إن الشيطان يكمن في التفاصيل" , والتفاصيل هنا هي الأنا المتضخمة لدي الكثير من " صُنّاع العداء " تلك الأنا التي تطفح بالأنانية , والتعصب وشهوة الانتصار للنفس , بالإضافة إلى التحزبات الضيقة التي نعيشها , والفرق لقبليّة التي ننشئها , والحشود العنصرية التي نحشدها هي المسؤولة في نظري عن وجود هذا النموذج الإلكتروني الفاسد ! بالإضافة إلى العنصر الأهم وهو العامل التكوينى المتمثل في الأساسات الأولى للتنشئة الأسرية التي يتحدث عنها المتخصصين .

قال لي أحد الأصدقاء : " لقد نشأت في بيتٍ لا يعرف من لغة الحوار إلاّ الرأي الأحادي الجانب , وتربيّت على كل معاني الخوف والاضطهاد , حيث قمعُ والدي لي , ولكل أفراد الأسرة وذهبت إلى المدرسة , ووجدت الحال أسوأ من المنزل , حيث القمع بكافة أشكاله بدءاً من الإيذاء الجسدي , وانتهاءً بالإيذاء النفسي ! وعندما كبرت كان لابد للمجتمع أن يأخذ نصيبه من الكعكة ! إذ أنني وجدت نفسي في العمل تحت حصار , ووطأة مديرى المتسلط الذي يستخدم سلطته بمناسبة , وغير مناسبة , فضلاً عن الأنظمة المتعسفة ! الأمر الذي ولدّ لدي مجموعة من التراكمات النفسية العويصة اتجاه زوجتى وأولادى , ومجتمعى, حيث أصبحت أمارس نفس الدور القمعى على زوجتى وأولادى سواء بالتعنيف البدنى أو التعنيف النفسى , أو التعنيف الثقافى حيث مصادرة كل رأي شخصى يخالف آرائى الشخصية حتى وإن كنت مقتنعاً به في قرارة نفسي ! "

حسناً ! أن هذا المثال الذي يشير إلى الخلل النفسى , والثقافى في تكوين هذه الشريحة يضع أصبعه على الجرح عندما يلامس أعماق الكثير منا بطريقة أو أخرى ! إذ أن حلقات أو دوائر القمع التي تحدث عنها صديقى بكل شفافية , وتجلّى تكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك خللاً كبيراً في أساسات التلقى , وأدوات المعرفة لدا قاعدة عريضة من العرب . ومن المؤلم حقاً القول بأن هذا "الخلل التربوي" كان وما يزال واقعاً معاشاً في حياتنا حتى هذه اللحظة , وجزءاً حزيناً في مسلسل هزائمنا الكثيرة !

هذه العوامل مجتمعة كانت أم منفردة ساهمت بشكل أو بآخر في خنق أجواء الحوارالمنشود , والقائم على اعتبارات كثيرة أهمها التسامح , الذي يُعتبر حجر الزاوية في عميلة الحوار . ومن المؤسف حقاً أن الحوار الذي يقوم على أسس عظيمة أصبح بالنسبة لهذه الشريحة عميلة استبداد تحت أغطية كثيرة .

بيد أن مصادرة الآراء , ومحاولة إسكات الآخرين بطريقة رفع الصوت غالباً , أقول برغم سوئها وفداحة خطبها , وجُرّمها إلاّ أنها تهون في نظري عندما يصل الأمر إلى حد التجريح الشخصي , والطعن في الملة والمعتقد !
وهذا ما يحدث للأسف في الكثير من المنتديات على يد " لوبي الصِدام , ودعاة الكراهية " الذين يقصون الآخرين باسم الدين , و باسم العادات والتقاليد , و باسم الطائفية , وباسم الحزبية والشللية , والمحرّض دائماً العصبية العمياء , وثقافة " لا أريكم إلاّ ما أر " , والجاهلية القديمة التي يمثلها تعبير الشاعر العربي القديم الذي قال باستعلائية ما بعدها استعلائية : " ويشرب غيرنا كدراً وطينا " أو الآخر الذي قال : " لنا الصدر دون العالمين أو القبر !"

هذه الثقافة الإقصائية يجب أن تموت , ويحل محلها ثقافة احترام الرأي , والرأي الآخر, والدّفع بالتي هي أحسن , وتغليب حسن الظن في الآخرين , و التسامح والمحبة , التي تُعتبر أهم ركائز الحوار البنّاء .

يتبـــع .
____________________________________

" أقبح الاعذار في التاريخ هي التي تُساق لتبرير موت الحُبّ "
رد مع اقتباس