رد: نماذج إنترنتية فاسدة ! ـ 3 ـ أماالشريحة الثالثة فهي شريحة " النقاد الجدد " الذين يمارسون الأستذة المصطنعة عادة على الكثير من كتاب الإنترنت ممارسة تدعو للرثاء والضحك معاً ! ويحسن بنا قبل الحديث عن هذه الشريحة الإشارةإلى قضية النقد مالها وما عليها . أن الحديث عن النقد يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن الكتابة , حيث أن علاقة النقد بالكتابة كما أكّد الكثير من الكُتّاب والمفكرين على أنها علاقة تلازمية , أيّ أنهما وجهان لعملة واحدة , برغم الجدل البيزنطي الذي يثور بين فينة وأخرى ما بين أرباب وأنصارالفريقين حيث أن كثير من الكُتّاب يجردون النقد من أهميته ورسالته على أساس أنه عديم الجدوى , وفي المقابل يدافع النقاد عن مهنتهم ويؤكدون على أن النقد كان وما يزال يحمل رسالة عظيمة , وأنه عن طريقه تم رسم , وتعديل الكثير من المسارات الكتابية , وبصرف النظر عن السؤال القائم الذي يدور داخل أروقة الفريقين : عن أيهما أفاد الآخر ؟ تظل الكتابة في رأيي المتواضع مُتنفس وتعبير حقيقى عما يدور في الأعماق بغض النظرعن تباين , وتفاوت هذا التعبير من حيث الوضوح , والغموض , والبساطة , والتعقيد , ويبقى النقد أو يجب أن يبقى مجرد انعكاس ذوقى للممارسة الكتابية , لا عميلة محاسبة ومقاضاة لها ! وإذا كانت بعض المدارس النقدية قد وضعت بعض المواصفات والشروط التي يجب توافرها في الناقد كالثقافة الواسعة , والذكاء الشخصي المتقد , والحساسية المهارية , والقدرة الكتابية , فإن الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن أذهان الكثير من النقاد هي أن المعالجة النقدية مهما بلغت من درجات الموضوعية فإنها تظل تراوح في المجال الذاتي المحض القائم على اعتبارات ذوقية خالصة كما قال بذلك ستانلي هايمن . هذه الحقيقة التي تسيطرعلى كل ناقد حقيقياً كان أم مزيف لا تظهر عادة على السطح لأنها متوارية في أحراش اللاشعور ! تعزز الفكرة الجميلة والرائعة عند أصحاب المدرسة السلوكية الذين قالوا : " بأن الأدب ليس إلاّ رجلاً يكتب , ورجلاً يقرأ , ولا شيء غير ذلك " . ولو جاز لنا تحريف هذه العبارة الجميلة على هذا النحو وقلنا : " بأن الأدب ليس إلاّ رجلاً يكتب , ورجلاً يتذوق ما يقرأه , ويتجاوز مالا يناسب ذائقته " لربما استطعنا حل الكثير من المشاكل الأدبية , وأرحنا أنفسنا من قضية التعذيب النفسي الذي أُبتلي به الكثير من القرّاء وأدعياء النقد ! يقول ستانلي هايمن في كتابه المدارس الأدبية الحديثة : " أن المدارس الأدبية تركز على مبدأين يحتلان الجزء الأهم من خصائص النقد الأول : أن الأدب نوع من التعليم الأخلاقي , والثاني أنه في أساسه نوع من اللذة والمتعة ." اللذة والمتعة هي مربط الفرس , أو السطر الأخير كما يقول التعبير الإنجليزي ! اللذة والمتعة هي التي يفتقدها الكثير من كُتّاب الحداثة هذه الأيام وذلك عندما أصبحت الطلاسم والألغاز والأحاجي هي منهجهم , وطريقتهم في العملية الكتابية , الأمر الذي افسدوا معه ذائقتنا الأدبية بذلك الحشو الفارغ الذي يكتبونه , وعلى الضفة الأخرى ظهرت شريحة " النقاد المتطوعين " الذين راحوا يتطوعون في إصدار مذكرات تحليلية , وتفسيرية لهذا الفراغ المكتوب , لمحاولة فرضه على ذائقة القارئ ! حتى توهم أولئك الكُتّاب أن منهجهم وخطهم الكتابى الغامض له قبول ورواج في المشهد الثقافي , وصدّق في الجانب الآخر أولئك المتطوعين أنهم قد جاءوا بما لم تأتي به الأوائل ! حقيقة الأمر لا أعرف من أين جاء ذلك الوهم الذي عشش ـ لا أجد حقيقة تعبير آخر ـ في أذهان الكثير من كُتّاب الحداثة على أن النص الأدبي سواء كان شعرياً , أو روائيا , أو غيرهما , يجب أن يكون غامضاً كي يغوص القارئ في أعماقه للبحث عن المعاني المدفونة فيه , وتالياً استخراجها إذا كان هناك فعلاً من الأساس معاني ؟! ولا أعرف أيضاً هذاالإصرار العجيب من جماعة " النقاد المتطوعين " على فرض هذه الخزعبلات التي لايفهمها حتى أصحابها على أنها منهج جديد في المسار الأدبي , وفتح مبين في تاريخ الأدب ؟ هذا الإصرار على فرض الذائقة على الآخرين تحت ذريعة النقد يعكس بوضوح مدى حجم الخلل النفسي الكبيرالمتمثل في " الماسوشية " الذين يتلذذون بتعذيب أنفسهم , وتعذيب الآخرين ! أن العملية القرائية كما قال أحد المفكرين عملية امتاعية , وليست عملية تعذيبية ! فأنا عندما أقرأ يجب أن أقرأ للمتعة الذهنية والروحية وليس للتعذيب الذهنى والروحى كما يفعل الكثير من كُتّاب الحداثة وأتباعهم الشُرّاح ! وبالعودةإلى " شريحة النقاد الجدد " أقول برغم إيماني التام بالنقد , ومدارسه , وأدواته , ومهاراته المختلفة , إلاّ أنني أرفض تماما شريحة أرباع المثقفين من " النقادالإلكترونيين " الذين فهموا شيئا وغابت عنهم أشياء , الذين يدّعون الأستاذية على كثير من كتّاب الفضاء الإلكتروني وذلك بفرد عضلاتهم الثقافية بطرق مكشوفة غالباً , ومقززة في أغلب الأحوال وزادهم المعرفي لا يتجاوز قراءة كم كتاب , ومعرفة كم معلومة ! ولا أجد حقيقة وصفاً ينطبق على هؤلاء المتعالمين إلاّ المثل العامي الذي يقول " يتعلّم الحلاقة في رؤوس المساكين !" وليت شعري لو أن ذلك الاستعراض الثقافي النقدي يتم في أجواء ملؤها الود والمحبة والتقدير, لقلنا ربما يهون الأمر, ولكنه بجانب افتقاره إلى أبسط أدوات النقد , يخلو للأسف من أبسط مقومات الذوق العام الأمر الذي ينطبق عليه المثل العربي حشفاً وسوء كيل ! فإذا كانت المدارس النقدية أكّدت على أن النقد يجب أن يقوم من الناحية المنهجية على أساسات متينة , وقواعد صلبة , وينطلق من منطلقات سليمة , فإنه لا يجب في ذات الوقت أن نغفل الركن الأصيل أوحجرالزاوية في قضية النقد وهي الناحية الأخلاقية المتمثلة في التعامل الإنساني الراقي والمتحضر مع كل طرح بعيداً عن التجريح الشخصي , والشخصنة , والندية التي تطفح بها مداخلات " النقاد الجدد " ! ولا أجد حقيقة في هذا المجال أفضل من الاستشهاد بحديث أحد الكُتّاب الرائعين الذي كتب عن النقد الإلكتروني باستفاضة جميلة حيث قال : " ربما اعتاد القارئ والمتابع للمقالات والكتابات الأدبية المنشورة في الإنترنت وعلى صفحات المنتديات أن يرى تلك التعليقات الساخرة التي تقلل من قيمة ما كُتب والتي لا تُعبّر عن رسالة الأدب السامية وهدف النقد الأسمى , والذي يفترض أن يكون نقداً موضوعيا هادفا يرقى ويرتقي بالنص الأدبي إلى أفق أرحب وأجمل , يغربله بالطريقة المناسبة , يصوّب الخطأ , ويقيم المعوج منه دون المساس بشخص الكاتب أو الإشارة إليه , بل يستخرج أخطاءه , ويمحصها معتمدا في ذلك على ثقافته التي لا بد أن تكون في مستوى يؤهله كي يكون ناقداجيدا , بل يتوقع منه أن يكون أعلى ثقافة من الأديب نفسه فهوالمسؤول والشريك في ارتقاء الذائقة الجمالية لدى الكاتب والقارئ على حد سواء . والناقدالموضوعي الإيجابي هو من يقيس النص الذي بين يديه بمقاييس اللغة , والنحو , والبيان , وعلوم الأدب , ومدى تمكن الكاتب منها وقوته الأدبية بعيدا عن الشخصنة , والسلبية, والندية فإن استوفى هذا النص كل الشروط السابقة , فإن له الحق في منحه الاحترام , ومنحه حقه الطبيعى في نقد هادف بنّاء مُعِين على صقل الموهبة وتطوير الأدوات الكتابية لدى الكاتب , خاصة إن كان هذا النص يحمل فكراً نيّراً , وصورا بديعية جميلة متميزة بعيدة عن الرمزية التي تحيد بالنص عن الفهم والاستساغة من قبل القارئ , متوسط بين لتكلف في المعاني والعبارات , وبين السطحية الساذجة الخالية من لمسات إبداعية للكاتب . ويضيف الكاتب : الناقد المثقف هو من يمتلك القدرة على التفريق بين النص الجيد والنص الرديء , بين الزائف والأصيل بما يمتلك من أدوات الحجة والبرهان في كل ما يقول , وهذا يجعل ثقافة الناقد تحت المجهر , فإن كان قليل الثقافة , أو لا يمتلك علماً أو درايةً بالموضوع محل النقد فإن ذلك مما يظلم النص وينقص حقه ويقلل من قدره , والدليل ما نشاهده في المنتديات من تعليقات القراء على النصوص المكتوبة حيث الاستهتار وعدم تقديرالكاتب ونصه ممايفقده جماله . أما إن كان الناقد مثقفا واسع الإطلاع , إيجابي المقصد وهو المصّوب والمصحح والمدقق لما بين يديه من نصوص , فإن ذلك يرفع النص ويضفي عليه بعدا جماليا آخر كمن يخرج من روح النص نصا جديدا لا يقل عن النص الأصلي جمالا وروعة , كل ذلك محاط بأسلوب هين لين خاليا من المجاملة والمبالغة ومن العبارات الخارجة عن الأدب . ويبين الكاتب أنواع النقاد : الناقد لايخرج عن ثلاثة : 1ناقد إيجابي مثقف منصف , حيادي . 2ناقد متطرف لفكر أو فئة . 3ناقد مستهتر ميّال لشخصنة نقده ويلقي بالأحكام والتعليقات جزافا واعتباطا . والناقد بما يتحمل من مسؤولية النقد أمام نفسه أولا , وأمام المجتمع ثانيا واجب عليه الابتعاد عن التحيز والظلم وعليه انتهاج مبدأ الحيادية والموضوعية , وهو الموكل إليه استخراج المزيف من الأصيل دون النظر إلى مصالح أو محسوبيات . أخيرا ... ونحن وإن كنا نطالب الأديب بالكمال فيما يكتب فكذلك علينا أن نطالب الناقد بأن يكون أكثر حرصا فيسعيه للكمال لتتحقق المنفعة وترتقي الفنون الأدبية ويرتقي المجتمع وتزدهر ثقافته . " انتهى . حسناً .. وفي نهاية هذه السطور دعونا نوجه رسالة لهذه الشريحة معشر " النقاد الجدد " ونقول لهم : اتركوا الناس تعبّر وتكتب بما تختزنه دواخلهم بعيداً عن فرض الوصاية بحجة النقد , وبعيدا عن تقمص دور الأستاذ الذي يحاول إسقاط عيوبه ومشاكله النفسية على طلابه . فنحن إذا كنا قد تشرذمنا سياسياً , واقتصادياً , واجتماعياً , فأرجو أن لا يطالنا ذلك التشرذم أدبياً . يتـــبع . ____________________________________ " أقبح الاعذار في التاريخ هي التي تُساق لتبرير موت الحُبّ " |