رد: نماذج إنترنتية فاسدة ! ـ 4 ـ أما الشريحة الرابعة فهي " الشريحة الخفاشيّة " وهم معشر الخفافيش الذين يملئون فضاء الإنترنت تحت أسماء مستعارة حيث ينطلقون منها في مهاجمة الآخرين سواءً في العالم الحقيقي أو في العالم الافتراضي هجوماً لاهوادة فيه , حيث أنهم جعلوا من الفضاء الإلكتروني ساحة معركة لقتل , وتدمير, ونفي كل من لا يعجبهم , أو يروق لهم ! وقبل الحديث عن هذه الشريحة لابد من الإشارة إلى أن الغالبية العظمي من مرتادي الإنترنت أو الشبكة العنكبوتية تستخدم الأسماء المستعارة لأسباب عديدة , لا أخالها تخفى على الكثيرين , وإن كنت من المؤيدين للكتابة بالأسماء المستعارة لأسباب ربما تكون شخصية أكثر منها منهجية إلاّ أنني ضد تلك الأسماء المستعارة التي أتخذها أصحابها أقنعة لممارسة أغراضهم , ومقاصدهم المريضة ! وقد جاءت تسمية هذه الشريحة من أحد الكُتّاب الذي تناول الموضوع من زاوية أخرى حيث شبههم بطيورالخفافيش التي لا تظهر إلاّ في الظلام , لئلا يراها أحد ! حيث تستطيع هذه الشريحة من وراء هذه الأسماء المستعارة أن تمارس صناعتها البذيئة دون أن يحاسبها أحد أو يتعرف عليها أحد في أقل الأحوال ! هذه الشريحة التي تقع تحت قائمة الفئة السوداء من فئات الإنترنت , تحمل بالإضافة إلى سوء الطوية مرض نفسي خطير أسمه " كره الذات " ! كيف يكره الإنسان نفسه ؟ سؤال صعب , وربما تكون الإجابة عليه أصعب , ولكن دعونا نفكر بصوت عالٍ , ونتساءل : هل هناك شخص يحُبّ نفسه أو يحترمها في أقل الأحوال يتفنن في صناعة العداوة , وخلق الأعداء ؟ هل هناك شخص ينتمى لعالم الإنسانية الرائع , وما تحمله من قيم نبيلة , و قواسم جميلة , ومشتركات رائعة يحمل كل هذا الحقد والبغض لبني جنسه ؟ حقيقة الأمر لا أعرف كيف تستطيع هذه " الشريحة المريضة " أن تعيش حياتها بهدوء وطمأنينة وهي تمارس ما تمارس من بذاءات عبر الفضاء الإلكتروني ؟ ولا أدري فعلاً كيف تستطيع أن تنام قريرة العين دونما أيّ شعورٍ بالذنب أو تأنيب للضمير ؟ كيف وقد هاجمت فلان في دينه , وشككت في أمانته ؟ كيف وقد قذفت فلان في عِرضه وشرفه ؟ كيف وقد زعمت أنها كشفت عن ضمير فلان , وعرفت نواياه من خلال ما يكتب ؟ كيف وقد نالت من المسؤول الفلاني , أو المدير الفلاني , أو القائد الفلاني , بالتشكيك , وتشويه الصورة , وتزييف الحقائق ؟! والمصيبة كل المصيبة ! أن هذه الشريحة تركب موجات شتى فتارة تهاجم باسم الدين , وتارة أخرى باسم الوسطية , وثالثة أخرى باسم العلمانية , ورابعة باسم العادات والتقاليد , وخامسة وليست أخيرة باسم الحق والانتصار للمظلومين ! تعبث بالثوابت , وتدّعي الدفاع عن الفضيلة المستباحة , وتصنّف الآخرين على حسب أهوائها وميولها ونزعاتها , ولا ترقب في غيرها إلاّ ولا ذمة ! حسناً ! نسمع ونقرأ كثيراً عن " الحوار مع الآخر , والتعايش مع الآخر " ولكن مَن مِنا فكر بالتعايش مع النفس ؟ هذه النفس المنطوية على عوالم ضخمة من الألغاز, والأسرار, والخفايا التي لا يعلمها إلاّ من خلقها , تحتاج منا إلى الكثير من التأمل , والكثير من الوقفات الصادقة , والكثير من المحاسبة حتى نضمن لها شيء من الاستقرار , والهدوء , بعيداً عن الانفعالات الآنية , والتشجنات المضطربة , والعواطف المشحونة ! تحتاج منا باختصار معرفة ما لها من حقوق , وما عليها من واجبات . يقول الدكتور سلمان العودة : " أن أبسط الواجبات التي فُرضت على النفس البشرية هو منح الآخرين حق العيش بالطريقة التي تناسبهم بعيداً عن فرض القيود , وبعيداً عن محاولة تدميرهم , وبعيداً عن مزاحمتهم على فرصهم التي وُهبت لهم " ويضيف في موضع آخر : " في كل منا في داخل نفسه وقلبه مصباح أو شعلة , والمفترض أن يسلّط هذا المصباح على داخلة نفسه , ويجيله في أطواء ضميره , ومخبٌآت قلبه , بيد أن الكثيرين يسلّطون المصباح على غيرهم نقداً , وعيباً وبحثاً عن الزلات , والأخطاء , ومحاصرة لهم , وأخذاً بمخانقهم ! " ومن هنا يجيء السؤال الضخم على حد تعبير أحد الأصدقاء ! هل تعرفنا على أنفسنا كما يجب ؟ حسناً ! لا أعتقد إن الإجابة على هذا السؤال تسرٌ على أية حال , حيث أنها تحمل قدراً كبيراً من الحقائق المروعة بالنسبة للذهنية العربية أو النفس العربية التي تفضل العيش مع الأوهام على مواجهة الحقائق ! الحقائق التي تقول أن العرب أو معظمهم على أية حال حتى لا نقع في منزلق التعميمات الخطيرة ! يحملون قائمة طويلة من الإسقاطات , بدءاً من إلقاء التبعات على الآخرين , ومروراً بالظروف الراهنة , وغير الراهنة , وانتهاءً بهاجس المؤامرة الذي يتصدر تلك الأجندة ! إلقاء التبعات على الآخرين أصبحت جزء لا يتجزأ من الثقافة العربية , وتوزيع الاتهامات بالجملة على العالم كشماعة , أو ذريعة لتبرير التقصير والإخفاقات , صار امتياز عربي , وتفسير هزائمنا الميدانية , والثقافية , والحضارية وفقاً " لنظرية المؤامرة " , كلها مبررات نفسية للخروج من دائرة المساءلة والمحاسبة ! هذه النفس العربية المنطوية على نفسها , وعلى أوهامها , وعلى تبريراتها الساذجة تعاني من أزمات كثيرة في الحقيقة , فهناك أزمة تصور, وأزمة فكر , وأزمة اعتقاد ! ولن تخرج من هذه الأزمات حتى تستطيع فعلاً إعادة قراءة نفسها بشكل صحيح بعيد عن أي تأثيرات داخلية أو خارجية ! تعيد قراءة نفسها بدون مواربة أو خجل . تعيد قراءة نفسها بتجرّد وحيادية تامة بعيداً عن الوقوع في مزالق الإيحاءات الخادعة , أو التصورات الخاطئة . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه فعلاً كيف تعيد قراءة نفسها ؟ وهنا اسمحوا لي بتلخيص الإجابة التي وردت في ثنايا كتاب الدكتور سلمان العودة " شكراً أيها الأعداء ! " حيث قال : " تعيد قراءة نفسها عن طريق الصدق مع نفسها أولاً , كما دل على ذلك التعبير القرآني الكريم حيث قال أعز من قائل { وكونوا مع الصادقين } , وكما أشار الحديث النبوي الكريم " والصدق يهدي إلى البر " . وتعيد قراءة نفسها بمعرفة إمكانياتها جيداً حيث استثمار مواطن القوة , ومعالجة نقاط الضعف . وتعيد قراءة نفسها بمطابقة القول بالعمل , وذلك بردم الهُوّة بين الظاهر والباطن , والسر والعلن . وتعيد قراءة نفسها بقبولها نفسها بعيداً عن أي أقنعة مصطنعة , أو إضافات شكلية تساهم بشكل وآخر في اتساع الفجوة . وتعيد قراءة نفسها بإدراك السنن الكونية القائمة على الاختلاف والخلاف . وتعيد قراءة نفسها بنبذ التعصب الأعمى الذي كان ـ وما يزال ـ يجرّنا إلى مستنقعات , وويلات كثيرة . " ويختم الدكتور كلامه الجميل بهذه الدعوة : " إن ثمت دعوة مُلحّة تفرض نفسها كبديل عن بث التهم في كل اتجاه , مؤدى هذه الدعوة : أن افهموا أنفسكم , وأقبلوا عليها , فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان " وكما قال بعض السلف " من عرف نفسه استراح " . حسناً ! هل بقي شيء ؟ بقي رسالة صغيرة نرسلها لعناصر" الشريحة الخفاشيّة " نذكّرهم فيها بتحذير نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام عندما قال : " سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر " ونذكّرهم أيضاً بأن عليهم كراماً كاتبين لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصوها , ونقول لهم : اتقوا الله في أنفسكم , واستشعروا عظمة الله عز وجل عندما تقفون بين يديه , وقد تجرأتم على أعراض المسلمين إما بقذفٍ , أو بشتمٍ , أو بسبٍ , أو بغيبة , أو ببهتان , وكله من أجل إرضاء ذواتكم المريضة ونزعاتكم الشيطانية ! يتــــبع . ____________________________________ " أقبح الاعذار في التاريخ هي التي تُساق لتبرير موت الحُبّ " |