هذه الثورة يا سيادة الرئيس ... ليست " صرعة كما تقول وتعتقد " أنها حالة يصعب عليك معرفتها أو التماهي معها لأنك لم تتعود حقيقة إلاّ على تلك الأصوات النشاز التي تنعق كل صباحٍ ومساء بالروح والدم نفديك يا رئيس ! , أو تلك الأصوات الرديئة المبرمجة على عبارة كل شيء تمام يا رئيس ! أو تلك الأصوات المنافقة التي تلهج بالدعاء لك دائماً بالبقاء والديمومة للشعب الذي يسبّح ويقدس بحمدك ! هذه الثورة يا سيادة الرئيس .. أعمق , وأجمل , وأعظم من قدراتك العقلية المحدودة التي لا تعرف إلاّ التعبير السلطوي المستبد القديم الذي يقول : الحاكم هو الحاكم , والشعب هو الشعب ! وهذه مأساتك يا سيادة الرئيس , ومأساة الكثير من أصدقائك الزعماء . ولكن دعني أكون منصفٍ معك , واعترف لك بأن قدراتك العقلية تبرز , وتتألق , وتتفوق على نفسها كما يقول التعبير الغريب ! عندما يتعلق الأمر بما تعتقد أنه حقوق لك على الشعب حيث تسنٌ لك ألف شريعة , وألف قانون ! والآن هل تسمح لي يا سيادة الرئيس.. بإعطائك نبذة مبسطة عن أسباب هذه الثورات التي أسميتها " صرعة شعبية " ؟ حسناً ! لا مشاحة في الاصطلاح كما يقول أساتذتنا الفقهاء فلتسمّها صرعة شعبية بحسك النخبوي العالي ! , ودعني أسمّيها ثورة شعبية بحسي الثوري . هذه الثورات الشعبية يا سيادة الرئيس ..هي حالة من الاحتقان الذي كان ـ وما يزال ـ يعاني منه الشعب العربي منذ عقودٍ طويلة من الزمن , وسبب هذه الاحتقان يا سيدي الرئيس هو القمع , والاستبداد , والتخلف بجميع أنواعه . أعرف يا سيدي الرئيس .. بأن ذكائك الأسطوري سيخونك في هذه اللحظة عن استنتاج معرفة المسؤول عن ذلك القمع , والاستبداد , والتخلف ! ولكنه لم يخونك , وأنت تحلل , وتناقش , وتخلق تبريرات سخيفة للطعن , والتشكيك في شرعية هذه الثورات الرائعة المبثوثة على كل الموجات في سماوات الوطن العربي , ومن ضمن هذه التبريرات السخيفة القديمة / الجديدة ! التي أتحفتنا بها هي " نظرية المؤامرة ! " عفواً ! المؤامرة , وليست نظرية المؤامرة التي ليس لها وجود في قاموسك الثقافي . عجيب أمر هذه العقلية السلطوية التي تُفسّر انتفاضة الشعوب على الظلم , والاستبداد , والقمع , والقهر , والفقر , والفساد بكافة أشكاله , وأنواعه , على أنها مؤامرة ! هل عندما يتعلق الأمر يا سيادة الرئيس .. بحقوق الشعوب , ومطالبهم الشرعية , تصبح المسألة مؤامرة ؟ وعندما يتعلق الأمر بحقوق الحكام يصبح واجب شرعي , ومقدس لا يجوز تركه أو الخروج عليه ؟ هل هذه سياسة الكيل بمكيالين ؟ أم ماذا يا سيادة الرئيس ؟ هذه السياسة التي طالما مارستها عصابة بني صهيون مع إخوانك في فلسطين . بالمناسبة هل تتذكر فلسطين يا سيادة الرئيس ؟ هل ما زالت ذاكرتك تحمل شيء من الصراع العربي / الإسرائيلي ؟ ثم ماذا عن الجولان المحتلة يا سيادة الرئيس ؟ هل أخطأ جيشك الطريق ؟ هل أصبح شعبك هو العدو الذي يجب أن تجيّش له الجيوش , وتحشد له الدبابات ؟ أم أن أمن إسرائيل مرهون بأمن سوريا كما قال أحد أتباعك ؟ أيّ أمن يجب أن توفره سوريا " للعدو الصهيوني " يا سيادة الرئيس ؟ وكيف انقلب العدو صديقا , والأخ عدواً يا سيادة الرئيس ؟ يبدو أنها زلة لسان مقصودة يا سيادة الرئيس ! لأنه آن الأوان أن ترد إسرائيل الجميل , جميل استقرار أمنها الذي حافظتم عليه طيلة هذه العقود ! آن الأوان للاستنجاد بالصهاينة ضد " المؤامرة , والمتآمرين " الذين يتربصون بسوريا الدوائر ! وقد آن الأوان فعلاً يا رئيس .. أن يعرف المخدوعين من العرب بأن شعارات المقاومة , وأحزابها التي تدّعي مقاومة بني صهيون ليس إلاّ ذرٍ للرماد !
ثم ألا تلاحظ معي يا سيادة الرئيس .. أنك و أصدقائك الزعماء الذين حدثت عندهم
" الصرعة الشعبية " اتفقتم لأول مرة في تاريخكم السلطوي على رفع شعار " المؤامرة ؟ "
أوه ! التآمر على الزعماء, والرؤساء العن وأقبح تآمر في التاريخ !
ماذا عن الشعوب يا سيادة الرئيس ؟ من الذي يتآمر عليها طيلة هذه القرون ؟
تصور يا سيادة الرئيس .. شعباً بأكمله أو شعوباً بأكملها , واسمح لي هنا أن أعمّم , اعرف أنك بثقافتك الأدبية ستقول أن التعميم خطير جداً , ولا يجوز ! ولكن كما تعرف يا سيادة الرئيس .. أن التعميم بالأقوال ليس جريمة يعاقب عليها القانون , بالإضافة إلى أن التعميم بالأقوال أرحم وأهون من التعميم بالأفعال , وأنت كما أظن لا تهتم كثيراً بالأقوال إلاّ فيما يتعلق بالمؤامرات الداخلية والخارجية !
أقول تصور يا رئيس .. أن هذا الشعب الأبيّ , والشهم , والكريم , هذا الشعب صاحب الأمجاد , والتاريخ العريق لم يعد يحلم في عهدك الزاهر إلاّ بالخبز ! وأنت يا سيادة الرئيس بكل تأكيد سمعت بالعبارة الشهيرة " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان "
يقول أحد أصدقائك , أحد الزعماء العرب في جلسة ودية مع أصحابه المقربين : " ماذا يريد الشعب غير الخبز , والنقيق , والتناسل ؟ "
تخيل يا رئيس هذا الزعيم الذي ينظر إلى شعبه هذه النظرة الحيوانية !
تصدق يا رئيس .. ليس هناك شعب على وجه الأرض تليق به العبارة الشهيرة المبتذلة التي تقول " الإنسان حيوان ناطق " إلاّ الشعب العربي ! هل هذا يرضي حس عدالتكم يا رئيس ؟ هل بدأت الآن يا سيدي الرئيس .. تستشف بعض أسباب اندلاع الصرعة الشعبية ؟
حسناً يا سيادة الرئيس .. هل سمعت عن عبارات مثل الصراحة , والمكاشفة , والشفافية ؟
وإذا كنت قد سمعت بها , فهل تسمح لي بهذا الحديث الذي يحمل كل هذه المعاني ؟
أعرف أن لديك حساسية من هذه الأحاديث , لأنك تعرف أن الصراحة , والمكاشفة , والشفافية تحرج , وفيها شيء من الألم , ولكنه ألم معنوي لا يضرك , ولا يؤذيك يا زعيم ! , اترك الألم الحقيقي للشعوب المذبوحة من الوريد إلى الوريد .
حسناً ! الثورة يا سيادة الرئيس .. تختلف تماماً عن مفاهيمكم السقيمة , وقناعاتكم البالية , وأوهامكم الباطلة , الثورة ليست كما تعتقد , ويعتقد أصدقائك , وعبيدك , وزبانيتك , أنها من أجل طلب الخبز, أو الماء , أو حتى الهواء , أنها أعظم , و أكبر من ذلك بكثير , أنها من أجل الحرية , والكرامة , والعزة والأنفة , وبقية المواصفات الكريمة التي ارتضاها لنا رب العالمين , والتي تخلو منها أدبياتكم الإنسانية , والسياسية .
هل تعرف يا سيادة الرئيس .. بأن العزة , والأنفة , والثأر للحرية , والكرامة هي التي جعلت العربي منذ الأزل لا ينام على ضيم ؟ وأن تلك العزة , والكرامة هي التي أشعلت في دماء العربي كل الثورات السابقة واللاحقة !
أشك يا سيادة الرئيس .. في أنك قارئ جيد لتاريخ العرب , ذلك التاريخ الذي كتب في دفاتره بحروفٍ من ذهب : أن العربي كان وما يزال يصنع الأبطال , ولأن البطل هذه الأيام طال غيابه , فقد قرر الشعب كله أن يكون البطل , الشعب الذي تُراق دمائه اليوم في كل مكان سينتصر يا رئيس رغماً عن أنفك , وأنف كل مزايد , وكل مخذل , وكل منافق , وكل مهرول !
ولذلك دعني أهمس في أذنك المشوشة هذه الأيام ! ببعض أسباب هذه الثورة التي بدأت تزلزل الأرض من تحت أقدامك !
هذه الثورة يا سيادة الرئيس .. من أجل الحرية , والكرامة اللتين سلبتهما من أبناء شعبك من أجل أن تبقي في سُدّة الحكم !
هذه الثورة يا سيادة الرئيس ..هي تعبير شعبي للأخذ على يد الظالم , وإعادة الحقوق المسلوبة , وتوزيع الثروة المنهوبة من قبل الفئة القليلة الحاكمة على الفئة الكثيرة المحكومة !
هذه الثورة يا سيادة الرئيس .. من أجل إقفال المعتقلات والسجون التي ترمي فيها معارضيك دون أن يهتز لك جفن !
هذه الثورة يا سيادة الرئيس .. من أجل المنافي التي ما فتئت تحتضن أبناء وطنك الذين كان ذنبهم الوحيد أن قالوا ربنا الله وليس أنت يا زعيم ؟
هذه الثورة يا سيادة الرئيس .. من أجل المقهورين , والمظلومين , الذين عُذبوا , واُضطهدوا, وشُردوا على أيدي جلاوزتك !
هذه الثورة يا سيادة الرئيس .. لاقتلاع الطغيان , والفساد , والمفسدين الذين عبثوا بمقدرات الشعب كل هذه السنين !
هل تقنعك هذه الأسباب يا سيادة الرئيس ؟
حسناً ! حتى الشعب العربي الممتد من المحيط إلى الخليج يتعاطف مع هذه الثورات المباركة يا سيادة الرئيس , لأنها تعبير حقيقي لمشاعره , وأحاسيسه المقهورة , والمقموعة منذ زمنٍ بعيد .
وأخيراً دعني أطمئنك يا سيادة الرئيس .. على مستقبل هذه الثورات البيضاء التي اشتعلت في جبين الوطن العربي , وأقول لك : أن مستقبلها رائع , وعظيم بكل المقاييس , لأنها ستنجح بإذن الله تعالى , وستكون بمشيئة الله تعالى العصا السحرية التي ستلتهم كل الطغاة , وكل السّحرة , وكل المهرجين , وكل المزايدين على أحزاننا منذ مئات السنين !
سيادة الرئيس ...هل تسمعني يا سيادة الرئيس ؟