رد: نماذج إنترنتية فاسدة ! وآخر هذه النماذج أو الشرائح الإنترنتية الفاسدة هي " الشريحة الصيّادة ! " وهي تلك الشريحة التي تمارس الصيد أو القنص الرخيص , وهو صيد الإناث عبر الشبكة العنكبوتية أو عالم الإنترنت الافتراضي . الإناث اللائي يملأن زوايا , وممرات , وطرقات الإنترنت . ولا أقصد هنا مواقع الشات , أو التعارف , أو بقية المواقع السخيفة المعروفة أهدافها سلفاً , ولكني أعني ذلك الصيد الذي يتم عبر بوابة الكلمات ولو بحثت عن عنوان يصف , ويجسّد حقيقة هذه الشريحة لم أجد أفضل من هذا العنوان : الصيد تحت ظلال الكلمات ! الكلمات التي يتم من خلالها صيد النساء كما يتم صيد الجموع ! الكلمات التي تتواري خلفها الشهوات كما وصفها الشاعر, وأجاد حقيقة الوصف عندما قال : " أتدرين ما الكلمات ؟ كذباً خادعاً أشر .. بها تتحجب الشهوات ويُستعبد البشر " . أن عجبي حقيقة لا ينتهي من أولئك " الذكور " الذين حباهم الله عز وجل موهبة الكتابة وهي نعمة على أية حال ! فيسخرونها بالدرجة الأولى لصيد الكثير من القوارير ! وإن كنت هنا أجرّم أولئك الكُتّاب بالدرجة الأولي , فأنني في ذات الوقت لا أبرّأ ساحة الفتيات حيث أنهن مسئولات بالدرجة الأولى عن تصرفاتهن . ولا أجد حقيقة الأمر والحالة هذه تعبير يصف بشكل أو بآخر تلك المسؤولية أكثر من التعبير الإنجليزي الذي يقول : " بإمكانك أن تقود الحصان إلى الغدير , ولكن ليس بإمكانك أن تجعله يشرب ! " . أن القصص المأساوية التي نسمعها بسبب دناءة النفوس التافهة , تجعلنا نؤكد أن عالم الإنترنت برغم كل ما يحمل من المزايا والإيجابيات , ليس إلاّ " مقصلة " للكثير من الإناث , أسارع وأضيف إلى أن تلك المقصلة لا تقتصر على الإناث فقط بل وحتى على الكثير من الذكور ! حيث أننا لم نعد نعرف حقيقة في هذا العالم المتلاطم بالأمواج البشرية أيهما الصائد وأيهما الطريدة ؟ أيهما الجاني وأيهما المجني عليه ؟ أيهما السفاح , وأيهما الضحية ؟ والسؤال الذي يتبادر إلي أذهاننا الآن هو : من الذي أوجد هذه الشريحة ؟ أو ماهي أسباب انتشارها في العالم الافتراضي ؟ مما لا شك فيه أن ضعف الوازع الديني يأتي في المقام الأول , وهو الذي يقف دائما وراء الكثير من مشاكلنا النفسية والجسدية . وفي المقابل نجد أن قوته ـ أي الوازع الديني ـ هي أهم حصن يحمى المسلم من الانزلاق في دروب الخطايا والآثام , فكلما كان المسلم محصن إيمانياً كلما صعب اختراقه سواءً من شياطين الأنس أو الجن , والعكس صحيح . ومن الحصانة الإيمانية التي تلازم المؤمن أو من المفترض أن تلازمه دائماً هو الاستشعار بمعية الله عز وجل ومراقبته له دائما في السر والعلن , الأمر الذي يعزز ويقوى شعور المراقبة الذاتية , والمحاسبة المستمرة , تلك المراقبة والمحاسبة هما في تقديري الخاص أهم سلاحين نواجه بهما الشيطان ونفوسنا الأمارّة بالسوء . وأما السبب الثاني فهو متعلق بقضية التربية الأسرية ! حسناً ! كنت ومازلت مقتنعاً بأن التربية الأسرية الصحيحة , والحديثة يجب أن تقوم وترتكز على الرفق الذي نادي به سيد الخلق محمد بن عبد الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عندما قال : " ما كان الرفق في شيء إلاّ زانه , وما نُزع من شيء إلاّ شانه " هذا الرفق الذي استبدله اليوم الكثير من المسلمين للأسف بالعنف بنوعيه الجسدي والنفسي , وبالاتهامات , وسوء الطوية , وبقية القائمة السوداء من التعاملات غير المبررة شرعاً ولا ديناً . أريد أن أقول أننا متى ما قوّمنا السلوك بالرفق وزرعنا في الأطفال أهمية المراقبة الذاتية , واستشعار عظمة الخالق عز وجل , لربما نجحنا في تكوين شخصيات سويّة ومُعتدّة وواثقة . أنني حقيقة الأمر أحمّل الآباء والأمهات الكثير من المسؤولية في إخراج جيل مشوش نفسياً , وفكرياً , وشخصياً ! بسبب أساليب التربية الخاطئة القائمة على التعنيف والتأنيب , وإذابة الهوية الشخصية في خضم الأوامر والنواهي , ومحاولة إعادتهم على شكل نسخ مكررة منهم . والمأساة كل المأساة عندما يُبرّر هذا الطغيان السافر باسم الحُبّ , أو الخوف , أو المصلحة ! أن هذه الممارسات التي يمارسها الكثير من الذكور والإناث سواء في العالم الحقيقي أو في العالم الافتراضي سببها بعد ضعف الوازع الديني هو تلك التربية الخاطئة التي اُرتكبت بحسن نية طبعا .! وما أكثر الأخطاء التي تُرتكب بحسن نية ! وما أفدح الجرائم التي تقودها حسن النوايا ! أقول من المؤسف حقاً أن ترى الكثير من الشباب والفتيات وبعض الكهول ! يبحثون عن ذواتهم الضائعة عبر هذا العالم الافتراضي . يبحثون عن الحنان والآمان المفقودين في محيط الأسرة الصغيرة والأمثلة والشواهد في هذا الجانب كثيرة جداً . ومن المؤسف حقاً بأن هذا الضياع المُرّكز لدي الكثير من الشباب والفتيات الذين يبحثون عن ذواتهم المفقودة عبر هذا العالم الافتراضي , كان وما يزال أحد أسبابه الرئيسية هو سياسة العنف التي تُمارس في البيت , وفي المدرسة , وفي الشارع , وفي العمل , وفي كل مكان تقريبا . العنف الذي ضاعت معه أجمل المعاني والمفاهيم الإنسانية للرحمة والاحتواء . ومن أسباب انتشار هذه الشريحة هو " بريق الإنترنت !" قلت سابقاً أن عالم الإنترنت و ما فيه من الشخصيات الافتراضية أصبح حقيقة لا يمكننا تجاهلها بأي حال من الأحوال , هذا العالم أصبح حقيقة يحمل الكثير من الأضواء التي تغري بالفعل , تلك الأضواء التي أشبّهها بلهب النار الذي يجتذب الكثير من الفَرَاش ! حيث أن الكثير من الجنسين يدخلون عالم الإنترنت وقد جذبهم بريق ودفء ذلك اللهب الذي سرعان ما يسقط فيه الكثير .! ذلك البريق هو بريق الشهرة والأضواء وعالم النجوم .! ذلك البريق هو الدافع الرئيس لتلك الرغبة المتحرقة التي تسكن الأعماق , أو في أحراش اللاشعور, لحب الظهور ومعانقة الأضواء , ورؤية الآخرين لنا بعيون الإعجاب والرضا . وإذا كنت أعتقد فيما يشبه الجزم بأنه لا أحد يستطيع أن ينكر تلك الرغبة الخرساء التي تضج بها دواخلنا , إلاّ أنه في ذات الوقت يجب أن نعترف أن تلك الرغبة أو ذاك التطلع حق مشروع , وليس فيه ما يعيب , ولكن المشكلة تكمن في النفوس المأزومة التي تحاول من خلال ذلك التطلع أن تبحث عن مخرج لمشاكلها النفسية , والاجتماعية من جهة , أو تحاول تصدير مشاكلها العاطفية , والشخصية للآخرين من جهة أخرى .! الحقيقة أن ذلك البريق يأخذ صوراً متعددة من الخدمات الأدبية المجانية , التي يتطوع , أو تُطلب من بعض الذكور الإنترنتيين في تقديمها للإناث الراغبات في تحقيق ذواتهن الأدبية والفكرية ! ذلك البريق الذي يغري الكثير من الإناث بتحقيق أحلامهن الأدبية عن طريق متابعة الكاتب الفلاني المنتمي إلى الإعلام الحقيقي وقنواته المختلفة لعل وعسى أن يجدن لهن مكان في ساحة المشهد الثقافي الحقيقي ! ذلك البريق الذي يغري الكثير من طواويس الإنترنت على استعراض ذيولهم الزاهية الألوان أمام الجمع الغفير من الإناث ! ولذلك يمكننا القول بعد هذا أن أخطر مشكلة تواجه هذه الشريحة هي مشكلة " الفراغ العاطفي ! " ذلك الفراغ الذي تزيد نسبته قليلاً عند الإناث أكثر من الرجال بسبب مشكلة الاحتواء الأسري المفقود التي أشرنا إليه سابقاً . أن الفراغ العاطفي بدا حقيقة يأخذ صوراً وأشكالاً متعددة ومخيفة في عالم الإنترنت فتارة يبدو على شكل أنثي اتخذت من الإنترنت ملجأ وسكن دائم تقيم فيه 24 ساعة , وكأنها وجدت في ذلك العالم الافتراضي الخلاص من العالم الحقيقي ! وبالمناسبة بدأت هذه الظاهرة تتزايد بين الإناث بشكل خطير الأمر الذي تحتاج معه إلى دراسة مفصلة . وتارة يبدو على شكل مثقف يحاول أن يسبح عكس التيار , ويمارس الغواية الفكرية والثقافية على حساب الدين , والعقل , والمنطق , والعرف , حتى يلوي الأعناق ! وتارة ثالثة تبدو على شكل " ذكر أنترنتي صياد " ينتقل من فرس إلى آخر , ومن زهرة إلى أخرى ليروي ظمئه العاطفي المتزايد ! أو " أنثى إنترنتية صيادة " تنتقل من هالك إلى مالك .! الأمر الذي يجب علينا معه تذكير ذلك " الذكرالإنترنتي " بأن تلك الممارسة ليست من الفروسية في شيء , فضلاً على أنها لا تمت للرجولة بصلة . بل أنها دليل ومؤشر على الفراغ الروحي والعاطفي اللذين يملأن العين والقلب . ونذكّر الأنثى الإنترنتية التي تفتح عقلها وقلبها , وتمنح عواطفها بسخاء لكل من هبّ ودبّ ! أن قلبها وجسدها وديعة يجب أو يفترض أن تُرد إلى صاحبها الحقيقي طال الزمن أو قصر . ومع شفقتي على هؤلاء الجوعي فكرياً وعاطفياً , والذين يحاولون ردم كل العاهات والفراغات النفسية والعاطفية أجدني أمام أسئلة تبحث عن إجابات شافية : هل نحن أمام نوع جديد من أنواع الإدمان اسمه إدمان الإنترنت ؟ وإذا كنا فعلا قد وصلنا إلى هذه المرحلة الخطيرة من الإدمان فما هي الحلول ؟ وهل تسمّر الكثير وبالذات من الفتيات أمام شاشات الكمبيوتر على مدار الساعة هل هو هروب فعلي من رعب , وأزمات , ومآس العالم الحقيقي التي لا تنتهي ؟ أم أن القضية أصبحت مجرد عادة سيئة تضاف إلى بقية العادات السيئة ؟ وهل سيخلق لنا " الإنترنت " جيل مشوّه فارغ , ومُفرّغ من المحتوى والعواطف الحقيقية ؟ حسناً .. إذا كانت الأسئلة سهلة كما يقال فإن الإجابات صعبة , وتحتاج إلى بحوث , ودراسات , واستبيانات للوصول إلى نتائج دقيقة أو شبه دقيقة . وآخر الأسباب المهمة , والمفصلية , والذي تعمدت تركه في الأخير , والذي ساهم بشكل مباشر في وجود هذه الشريحة , هو الصورة الجاهلية لدى الكثير من الذكور عن المرأة , تلك الصورة القديمة التي يتوارثونها أباً عن جد , وهي تلك التي تصوّر المرأة على أنها مجرد وعاء للشهوة فقط .! تلك الصورة الظالمة , والبائسة التي تختزل كل اهتمامات وطموحات وتطلعات المرأة التي لا تختلف عن اهتمامات , وتطلعات , وطموحات الرجل في صدر عامر , وشفة مكتنزة , وشهوة عابرة ! حسناً ! لا أريد حقيقة أن أعمّم لأن كل التعميمات خطيرة بما في ذلك التعميم نفسه كما قال الكسندر الأب , ولكن يؤسفني حقيقة أن أقول أن الغالبية العظمي من الذكور لا ينظرون للأنثى إلاّ من خلال موضع الرغبة , أوالشهوة ! بما في ذلك بعض السادة المثقفين أو أدعياء الثقافة إذا أردنا الدقة ! ومن هنا لا نستغرب وجود هذه الشريحة التي تمارس عميلة الصيد تحت غطاء الثقافة , ومظلة الأدب ! وغني عن الذكر أن الرجل الذي ينظر إلى المرأة شقيقة الرجل كما بين ذلك رسول الهدى ـ صلي الله عليه وسلم ـ والتي كرّمها رب العالمين , وكفل لها حقوقها كما كفل حقوق الرجل , والزمها كما الزم الرجل بمجموعة من الحقوق والواجبات هذه النظرة أنه رجل غير جدير بالاحترام , ولا يستحق أن يُعطى أي نوع من أنواع العاطفة . وربما من المناسب هنا الإشارة إلي أن " الذكر الغربي " لا يختلف كثيراً عن " الذكر الشرقي " في تلك النظرة الدونية للأنثى , ولست مع وهم الواهمين الذي يقول بأن الانفتاح الجنسي , والحرية الغربية المبتذلة في هذا الجانب والتي استباحت المرأة بكافة الطرق قد خففت من غلواء تلك النظرة " الفرويدية ! " وأخيراً , وقبل أن أسدل الستار على هذه الشرائح , أريد أن أوضح حقيقة اعرفها كما اعرف نفسي , ألا وهي أن كل ما كُتب هنا ليس إلاّ مجرد مقدمة أو رؤوس أقلام كما أشرت في بداية حديثي عن هذه الشرائح , حيث أن هذه النماذج أو الشرائح الإنترنتية الفاسدة , ومعها أيضاً الكثير الذي لم يذكر هنا تحتاج إلى بحوث مستفيضة تعني أسباب وجودها , وكيفية طرق علاجها , وأعتقد أن هذه المهمة تقع بالدرجة الأولي على عاتق الباحثين المتخصصين في العلم الذي يعرف بـ الأنثروبولوجيا أو " علم الإنسان " . وفي ختام هذا الحديث أود تذكيركم , وتذكير نفسي بحقيقة لا يجب أن نغفلها أو ننساها , وهي أننا كمجتمع عربي يعاني حقيقة من الكثير من النقائص والعيوب شأننا في ذلك شأن أي مجتمع بشري , والكمال لله عز وجل , ولكن أن تتحول تلك العيوب أو النقائص إلى ظواهر اجتماعية خطيرة تؤدي إلى نتائج مدمرة على الفرد والجماعة , فهذا أمر غير مقبول , وليس من العقل , أو المنطق في شيء إظهار الإيجابيات , والتطبيل لها , والتواري عن السلبيات بحجة العبارة القبيحة التي تتعذر باستحالة إصلاح الكون ! أننا كمجتمع مسلم مأمورين بتفعيل كل الآيات القرآنية التي حثت على قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وكل الأحاديث النبوية الكريمة التي تهدف إلى تكريس حديث " المرآة " كي تتحقق الخيرية المشروطة لأمتنا الإسلامية . فهل نحن فاعلون ؟ ____________________________________ " أقبح الاعذار في التاريخ هي التي تُساق لتبرير موت الحُبّ " |