إيمان مسؤولينا بالقضاء والقدر ! وهاهي " جدة " تتلقى ضربةُ جديدة من ضربات القدر كما يُؤكّد ذلك دائما مسؤولينا ! الأمرالذي يجعلني أتساءل : لماذا يحمّل البسطاء والأغبياء لدينا ! المسؤولين المسؤولية , والتبعات , وهم لا يملكون تصاريف الأقدار , وضربات الدهر العاتية ؟! ألا يؤمن أولئك الأغبياء بالقضاء والقدر مثل مسؤولنا الطيبين المؤمنين ؟! حسناً ! يُقال أن الهزيمة طفلُ يتيم , أما الانتصار فـ يدّعيه ألف أب وأب ! والكارثة التي حلّت "ببراعم الوطن الصغيرات " ستكون كالعادة يتيمةُ لا أب لها , حيث سيتقاذف الجميع الاتهامات كالعادة ! وسيتنصل الجميع من المسؤولية كالعادة ! بدءً من إدارة المدرسة , ومروراً بإدارة تعليم جدة , وبقية الجهات المسؤولة , وانتهاءً بوزارة التربية والتعليم ! وهكذا تُسجل الواقعة مع ما سبقها من وقائع تحت بند القضاء والقدر ! القضاء والقدر الذي لا يجوز بأيً حالٍ من الأحوال الاعتراض عليه , وإلاّ ستكون قد وضعت إيمانك تحت المحك ! القضاء والقدر الذي يضرب " جدة " مرةً بالسيول , ومرةً بالنار التي تُحيط بالزهور الصغيرة فتذرها إما رماد , أو بقايا ضلوعٍ مُحطّمة ! القضاء والقدر الذي يترك وراءه مئات الثكالى , والمكلومين , والمصدومين , والحزانى ! تُرى كم من الجرائم والآثام تُرتكب باسم القضاء والقدر ؟! معذرةً يا سادتي الفقهاء , وعفواً يا أساتذة العقيدة , فأنا في حيرةٍ من أمري , فالقضاء والقدر أصبح كالشبح لا يظهر إلاّ في بلادنا ! القضاء والقدر بات كالمجرم الذي يرتدي ألف قناعٍ وقناع ! وإلاّ هل يُفسّر لنا سادتنا الفقهاء معنى هذه الكوارث التي تحيط بشوارعنا , ومدارسنا من فينة إلى أخرى ؟ وماذا عن القضاء والقدر الذي فرّ منه الخليفة العادل عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أبّان طاعون عمواس ؟ والذي لامهُ عليه بعض الجهلة فرد بقولته الشهيرة : " أفرٌ من قضاء الله إلى قضاء الله " آه ! عمر العادل الذي كان يخشى السؤال , والمساءلة , والمحاسبة على سقوط دابة في العراق لأنه لم يسوّ لها الطريق ! عمر الفاروق الذي كان يعزل الولاة عند أدنى شبهة أو شكاية من الرعية , وهو الذي يختارهم بعناية , وكفاءة شديدتين , وبتزكية من أهل الصلاح , والفضل في المجتمع . وليس على حسب الولاء , أو الواسطات , أو المحوسوبيات , كما يحدث في بلادنا العربية التي لا تؤمن إلاّ بالقضاء والقدر ! ثم يسأل بعدها ابن الخطاب : هل تروني أديت حق الله في هذا الأمر ؟ وتأتي الإجابة بالتزكية والإيجاب . فيرد المسؤول الذي يخشى الحساب يوم الحساب , والأهوال : " لا والله حتى أراقبهم , وسير أعمالهم " حسناً ! أدرك أن الأقلام الشريفة ستنبري الآن عبر الصحف الورقية , والإلكترونية , وعبر وسائل الإعلام المختلفة لنثر مشاعر الألم , والسٌخط , وستبدأ المعزوفة الشهيرة في الحديث عن الفساد الإداري , والمالي الذي كان ـ وما يزال ـ يعبث بمقدرات , وأرواح الوطن . هذه المعزوفة سـ تتكئ كالعادة أيضاً على الحائط الأضعف ! على أية حال ما حدث من كارثة في مدرسة البنات في مكة قبل ثمانية سنوات وراح ضحيته أربعة عشر نفساً , وما حدث قبل أمس الأول في " مجمّع براعم الوطن " وما سيحدث لاحقا في مدارسنا , ومؤسساتنا وشوارعنا جريمة بكل ما تعينه الكلمة . جريمة يتحمّلها غياب الضمير , وغياب المحاسبة , والإهمال بكافة صوره , وأشكاله , ومعانيه . ____________________________________ " أقبح الاعذار في التاريخ هي التي تُساق لتبرير موت الحُبّ " |