11-08-2010, 22:44
|
| كلما فهمت تعبت ! | | بداياتي
: Aug 2009 الـ وطن : الرياض
المشاركات: 197
تقييم المستوى: 0 | |
رد: المنافقون والمنافقات في القرآن الكريم ثم تأتي رحلة الوصف الدقيق في الآية التالية في تسلسل يكاد يجسم لك هؤلاء ويرسم صورهم أمامك حتى لتسمع أصواتهم . وتتفاعل في هذا الجدال الذي لا يخلو منه أي نقاش يجمع المؤمنين بهم :
((وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ))
هذه الفئة العجيبة ، المناوئة ، المراوغة . ذات المنهج المتكئ على الالتفاف والدوران والحذلقة والتلاعب والغدر والكذب . هل كانت تمضي في سلوكها الشرير الذي ينثر السموم والإفساد بين الناس ، دون أن تواجه مقاومة أو دعوة أو محاولات للإصلاح والنصح ؟؟
هذه الآية تنطلق مجيبة على هذا مثل هذا التساؤل ، إنها تصف حالة المطمئنون بدينهم ، الراسخون بعقيدتهم ، وهم يخاطبون هذه الفئة المريضة المشككة المتلاعبة بدين الله وشريعته
(( وإذا قيل لهم )) .. ذلك منهج القول ، منهج المخاطبة ، ولا ينبغي على المؤمنين- مهما كانت الظروف - أن ينساقوا لردود أفعال تحسب عليهم لصالح هذه الفئة المنشقة . منهج القول والمحاورة هو أفضل المناهج في مواجهة هؤلاء على الرغم من شدة مكرهم. وعظيم عداوتهم ، وعلى الرغم من أساليبهم المثيرة للاستفزاز . ومصابرتهم على الشر والتخفي وراء الإسلام .. مع ذلك كله يشير الله عز وجل في قوله (( وإذا قيل لهم )) إلى منهج المؤمنين الصالحين في التعامل مع أخطر الفئات ، وأشدها ضررا على الإسلام . فلا يستبيح دمائهم ، ولا يأمر بمحاسبتهم على نواياهم ، ولا يكمم أفواههم لمجرد الشك في معتقداتهم وولائهم . بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم فردا فردا ، ولم يأمر – فيما أعلم – بشيء من ذلك كله تجاههم. وإنما كان يرميهم بعبارات عامه يفهمونها ، وتصل إلى قرار قلوبهم المنافقة المريضة فتهزها وتثير في داخلها الحيرة والقلق والخوف !!
وتظهر الآية حال المؤمنون الصالحون وهم يطبقون مبادئ الإسلام بضمائرهم وجوارحهم ، ولا تختلف موضوعيتهم مع شريعة الله سواء بما يعود عليهم بالراحة والتشفي أو يعود عليهم بالمشقة والكظم . يؤمنون قلبا وقالبا ، قولا وفعلا ، تنظيرا وتطبيقا ، لا يطوعون قول الله وقول رسوله لأهوائهم ورغبات نفوسهم . وخير دلاله على ذلك منهجهم في التعامل مع هذه الفئة التي تسميها جميع الحكومات في شتى المعمورة ، الفئة الخائنة، أو الجماعة المتمردة . والتي تجابهها جميع التشريعات والدساتير الأرضية بأقسى القوانين ، و أشد التشريعات ، بينما في منهج الله على الأرض ، ترى تلك الصورة المثالية العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وصحبه الكرام ، وهم يلقون ما يلقون من أذى وخيانة المنافقين في السنين الأولى من بناء الدولة الإسلامية . وهم على ما يلقونه منهم لا يجدون عليهم سبيلا بعد أن أظهروا لهم الإسلام ، ودخلوا تحت ربقته ( وان كانوا في حقيقة أمرهم كاذبين ومخادعين ) ولم تترك شريعة الله للمسلمين إلا أن يأخذوا حذرهم منهم وأن يتنبهوا لشرهم ومكرهم . ثم يتركوا أمرهم إلى الله . و الله وحده الذي يطلع على سريرتهم ، ويكشف ما تخفي صدورهم ، وهو الذي توعدهم بعذاب تهتز له القلوب ، وتقشعر لذكره الأبدان ..
(( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ..)) هاهي الجماعة المؤمنة ، هاهي الأنفس الزكية ، والقلوب الطاهرة ، هاهم الذين يقولون ما يفعلون ، ويظهرون ما يبطنون هاهم المشفقون الوجلون ، ينادون أفراد الفئة المستكبرة ، ويستجدونهم بقلق وحسرة ، وباهتمام وجدية . أن يتوقفوا عن مسلسل الإفساد في الأرض ، وأن يكفوا عن هذه الجريمة المنظمة في غواية الناس . وأن يتنبهوا لمصيرهم الخطير الذي يقدمون عليه ، ويسوقون معهم إليه من شاء الله له الغواية والانتكاس .
لكن صرخات المؤمنين معهم كانت ولا تزال مهدرة ، ضائعة أمام غيهم وغرورهم ، لا تجد طريقها نحو آذانهم التي ضرب الله عليها وصكها وطمسها فلا يسمعون ولا يعقلون !! .
بل فوق هذا يردون بأقبح الردود وأشنعها :
(( قالوا إنما نحن مصلحون )) !!
إنهم يسمون الإفساد إصلاح !! ويعتقدون أن التخريب إعمار ، ويظنون أن الهدم بناء ؟؟ فكيف يمكن الوصول لعقول عشش فيها الانتكاس وانقلبت فيها القيم إلى هذا الحد ؟ وكيف يمكن إشعار المفسد بإفساده ، والمخرب بتخريبه ؟ والظالم بظلمه ؟ قالوا إنما نحن مصلحون ..هكذا يرى أعداء المسلمين من المنافقين والمنافقات حتى في عصرنا الحاضر صورة عملهم القبيح ، يرونه إصلاحا وتنويرا، وأنهم إنما يعملون ما يعملون من أجل نفع الناس وإصلاح أمرهم وتطوير حياتهم وحل مشكلاتهم المعاصرة . والغريب أن إصلاحهم المزعوم دائما ما يكون على حساب شريعة الإسلام . ولا يمكن أن تتخيل قضية واحدة يسعون ورائها إلا وتجد فيها نبذ للتدين وإعزاز من الرؤى و الفلسفات المعادية للتدين . وأمام هذا الادعاء الغريب . لا يمكن للمسلمين أن يفهموا دعوى الإصلاح المزعومة من قبلهم إلا تحت تفسيرين لا ثالث لهما :
الأول / أنهم يعلمون حقيقة أمرهم . وأنهم يخططون للإفساد بطريقة منهجية مدروسة . وهم يسعون للإفساد لأنه يعود إليهم بالمنافع الشخصية . وهم يسوقون إفسادهم تحت شعار الإصلاح . لأن المفسد بطبيعة الحال لا يمكن أن ينشر رغباته بين الناس وهو يصفها لهم بأنها من الفساد . إنما – ومن البديهي - سيحاول تمريرها بدعوى التنوير والتطوير.
الثاني / أن هؤلاء صاروا يرون أن الحياة لا تستقيم بالدين الإسلامي ، وأن الشريعة الإسلامية تقف عثرة في طريق النجاحات الدنيوية ، وأن مهمتهم الحقيقية تكمن في إصلاح الناس من خلال تغيير علاقة الفرد بالشريعة ، وجعل هذه العلاقة في أضيق صورها وأماكنها وأوقاتها . وهم يعتقدون أنهم مع هذا الفهم ، يبقون مسلمين !! ولا حرج في أن تبقى معظم شؤون حياتهم خارج إطار الدين !!
وكلام الله في هذا الصدد يحدد منطلقهم الإصلاحي المزعوم بكل وضوح في الآية التالية :
(( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ))
هذه الآية تؤكد التفسير الثاني الذي ذكرناه ، لكن القرآن في مواضع أخرى لا ينفي التفسير الأول . فهناك فئة من المنافقين والمنافقات تسعى لمكاسب ذاتية تحت دعوى الإصلاح . وهي تعلم أن بيئتها المناسبة للانطلاق تكمن في اللحظة التي تتفكك فيها القيم ، وتتجزأ عندها الأخلاق ، وينفصل الناس عن دينهم ولا تبقي لهم منه إلا بعض الشعائر التعبدية في أماكن ومواقيت ضيقة ، لا تلامس نشاطات الحياة المختلفة . ولا ترتقي لدفع السلوك أو ضبط الأنفس .
أما الغالب الأغلب من المنافقين والمنافقات في هذا العصر الحديث وربما القديم . فينطبق عليهم الوجه الثاني في قوله تعالى :
((ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )) إذ يرون أن الشريعة الإسلامية لم تعد صالحة لهذا العصر ، وأنها باتت معوقا في سير عجلة تقدم المسلمين !!
ولك أن تتصور ذلك العقل الذي بدأ ينحرف لحظة بعد لحظة ، وبدأت زاوية الرؤية لديه تضيق درجة بعد درجة ، حتى به يرى القيمة الأخلاقية رجعية وتخلف ، وينظر للمحافظة والحشمة بأنهما مرض وتمثيل ، ويعتبر شريعة الله في الأرض معوقا عن النجاح والتقدم !
لك أن تتصور هذا العقل الذي عرف نور الرسالة ، وأنار الله له درب الاستقامة . وأبصر بأم عينه درب الفلاح والحق. ثم إذا به يميل إلى الباطل . وينحاز إلى معسكر الكفر والضلال . ويطمئن لهوى النفس وأمر الشيطان !
فالمنافقون والمنافقات ليسوا جماعة لا تعرف الإسلام ، وليسوا طائفة من الناس لم يمر عليهم القرآن والسنة النبوية ، كما أنهم ليسوا مجموعة من البشر اسقطوا بلا مقدمات بين المسلمين وفرض عليهم الإسلام فرضا بقوة السلاح !! إنهم جماعة منشقة من بين المسلمين والمسلمات . وربما كانوا من آباء وأمهات وأسر في منتهى الصلاح والاستقامة والتدين . إنهم ليسوا غرباء عن المسلمين وليسوا غرباء عن المنهج الإسلامي . بل ربما كانوا في يوم من الأيام من الدعاة المخلصين لهذا المنهج . لكنهم في حقيقة الأمر ، مجموعة من الناس ، انحرفت عن مسارها القويم . وغيرت وبدلت . وبدأت تنظر للشريعة الإسلامية بعقول وتصورات دخيلة عليها . وهنا مربط الخلل ، وهنا تبدأ المشكلة وتتفاقم حتى تصل لمنتهى هذه الآية : ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون .إن العقل الذي ينظر لكل ما حوله من قيم وأفكار وأحداث ومواقف من خلال التصور القرآني والنبوي يستطيع أن يفهم الشريعة الإسلامية ويفهم مقاصدها في التعامل مع كل ما يحيط بالإنسان على هذه الأرض . وركاز ذلك وأول أساسياته أن المؤمن لا يفصل الدنيا عن الآخرة في أي أمر من أمور حياته . ومتى وقع ذلك الفصل بين الحياة الدنيا و الحياة الآخرة . تبدأ دوامة الانحراف تلتف حول عقله . ومن ثم تختلف نظرته للدين الإسلامي . ويتغير فهمه لشريعة الإسلام . وأخيرا تزاحم التصورات الدخيلة والتفسيرات الضالة ما تبقى من الحق في صدره. وتزاحمه حتى تخرجه منه (( وماذا بعد الحق إلا الضلال )).
إن المؤمنين لا يكتفون بربط تصوراتهم حول حياتهم الدنيوية بالآخرة وحسب . بل إنهم يجعلون همهم الأكبر تحقيق المكاسب في الآخرة على حساب المكاسب في الدنيا . و في حال اقتضت الضرورة أن يكون لهم الخيار بين مكسب دنيوي وآخر أخروي . فإن الآخرة بالنسبة لهم المطلب الأول . والرهان الأعظم ، وإن الدنيا القصيرة ؛ بالنسبة لهم بذل وبيع للأجل الأبدي والحياة السرمدية .
لكن المنافق حين يفقد هذه البوصلة الدقيقة في الحكم على الأشياء وفهم الأحداث من حوله وبالتالي تقبلها أو التماهي معها أو ردها . لا يتمكن من رؤية الأشياء كما ينبغي أن يراها كفرد يدعي الإسلام ، ويعيش بين ظهراني المسلمين . وبالتالي يبدأ في رحلة التخبط . ويرى المفسدة مصلحة ، ويستشعر في المصلحة مفسده . ويحكم وفق التصور الدنيوي القصير ، ويقرر تبعا لشهوة النفس الأمارة بالسوء ويفسر تحت غلبة التصورات الدخيلة الملحدة . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ..بطبيعة الحال ، العقل الذي فقد الميزان القويم للحكم على الأشياء لا يمكن أن يشعر بما يفعله من إفساد وبما يقوله أو يكتبه من خزي وعار . وفوق هذا يظن أنه يقول الحق ويصدح بالحكمة . فيالها من حالة مثلما هي مستفزة ومزعجة غير أنها مثيرة للشفقة والأسى .
وكم يرى المتأمل في حال هؤلاء وهم ينشرون شرورهم بينما يصفون أعمالهم بأنها ذات أهداف بريئة ، ورسالات طموحة ، فيها نفع للناس ، وخير للأجيال . وكم هو عجيب حالهم حين ترى تلك الثقة في تصوراتهم حول الانحلال الذي يسوقونه بين الناس بينما يتكلمون عنه بكل فخر واعتزاز !! بل إن بعضهم يريد أن يستشهد بكلام الله ليثبت تصوراته الفاسدة . ويريد أن يدعم الضلال بنص مقدس ! وذلك مثله كمثل الذي يسمي باسم الله قبل أن يشرب كأس الخمر !! . أو كذلك الذي يدعو الله أن يوفقه في سرقة ممتلكات الآخرين . أو كتلك المرأة التي لا تبدأ بالرقص عارية أمام الرجال حتى تقرأ الفاتحة وتتبعها بورد من أدعية الرسول !!( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )!!
وتزداد المصيبة وتتجلى الحالة الغريبة في صورتها المضحكة المبكية ، حين ترى من أنفق من عمره عشرات السنين ، واستنزف من وقته أغلى ساعات حياته ، ومضى في طريق شاق فقد فيه ثقة من حوله ، واستعدى عليه مجتمعه ، وانقطع عما فيه صلاحه ، ورغب عما يمكنه الإفادة فيه ، ثم إذا به يشمر ساعديه في محاربة شريعة الله ، سالكا بذلك أشق الطرق . وصابرا على ما يلقاه من الأذى ومن إنكار المؤمنين عليه . ومنفقا من ثمرة عمره وشبابه . حتى إذا اشتعل رأسه بالشيب ، و اهتد جسده . وانقطع حيله في رحلة الإفساد والتشويش على المؤمنين . ثم سأله الناس حينها فيم أنفقت هذا الزمن الطويل ؟ و لماذا أجهدت عمرك وعقلك بما فيه مغضبة الله ومغضبة المؤمنين ؟ أجاب شامخا بأنفه ، واثقا من إجابته :
(( إنما نحن مصلحون ))
ولا حول ولا قوة إلا بالله . كيف استغل الشيطان عقل هذا في خدمته ، وكيف رأى في مشوار عمره الطويل ما فيه مصلحة بينما هو يغرق في مستنقع الإفساد ! وإن مثل هذا لآية من آيات الله العجيبة ، وإن في مثله نزل قول الحق :
(( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )) ____________________________________ عندما رأيت زهور " الدافاديل "
في منتصف يناير
ادركت انك ابتسمت
هذا الصباح !
(( يغيب عن ذاكرتي صاحبها )) |